محكمة انقلاب 30 يونيو 1989م.. تطــــورات خطيرة و مـــــثـــيرة!!
بدأت اجراءات الدخول لمحاكمة الرئيس المعزول عمر البشير و (27) من قيادات النظام البائد، في قضية اتهامهم بتدبير انقلاب 30 يونيو 1989م،
بدأت هادئة وسلسلة، واستقر جميع الحضور من هيئتي الاتهام والدفاع وممثلي وسائل الإعلام المختلفة داخل قاعة المحاكمة، الا أنه وقبل انطلاق الجلسة بـ (10) دقائق انطلقت حناجر محامي الدفاع بالتكبير والتهليل قائلين:(الله أكبر الله أكبر ولله الحمد ونحن له مسلمون)، وحينها اعتلت وجوه الحاضرين بالمحكمة علامة الدهشة لا سيما أن قاضي المحكمة في الجلسة السابقة منع ذوي المتهمين من الحضور للجلسات لعدم انصياعهم لتحذيراتها وأوامرها بعدم التكبير والتهليل بالمحكمة .
وفي المقابل حملت جلسة الأمس العديد من المفاجآت لأن المحكمة كانت قد أعدت نفسها لاستكمال سماع المتحري الا أن جميع محامي دفاع المتهمين قد أمطروها بوابل من الطلبات تتعلق بإيقاف إجراءات المحاكمة لحين استبدال هيئة الاتهام، لا سيما أنها ذات اللجنة التي باشرت كافة إجراءات التحري والتحقيق مع المتهمين، واعتبروا ذلك تناقضاً واضحاً الى جانب اعتراضهم على ظهور هيئة الاتهام لأنها ذات اللجنة التي مارست دور التحري السياسي مع المتهمين وحاولت التأثير عليهم، ملتمسين من المحكمة استبعادها.
وفي المقابل اعترض الاتهام على طلبات هيئة الدفاع باستبعادهم من تمثيل الادعاء عن الحق العام في القضية، ملتمسين من المحكمة رفض الطلبات باعتبار أن لديهم الحق القانوني في إجراءات التحري والإشراف عليها وتمثيل الاتهام أمام المحاكم .
غياب نافع
عندما اشارت عقارب الساعة الى العاشرة صباحاً أمس، اعلن حاجب المحكمة انطلاق جلستها، وافتتحت المحكمة تسجيل حضور هيئتي الاتهام والدفاع في القضية، وتبين خلالها غياب ثلاثة من المتهمين، في وقت كشف فيه محاميا الدفاع عن المتهمين بحزب المؤتمر الشعبي كمال عمر وأبو بكر عبد الرازق، عن غياب المتهم الرابع الأمين العام لحزب المؤتمر الشعبي علي الحاج والمتهم الثالث عشر إبراهيم السنوسي، عن جلسة الأمس بعد منحهما الإذن من هيئة المحكمة تقديراً لظروفهما الصحية وإفادة طبيبهما المعالج والمرافق لهما بحاجتهما الدائمة للعلاج بالمستشفى التي يتلقون الرعاية الطبية فيها وعدم قدرتهما بالوجود خارجها لأكثر من أربع ساعات .
وكشف المحامي سراج الدين حامد للمحكمة ايضاً عن تغيب موكله المتهم الثاني القيادي الإسلامي البارز د. نافع علي نافع عن الجلسة لتدهور حالته الصحية وإصابته بمضاعفات في الكلى والقلب، مما استدعى إعادته مرة أخرى للاستشفاء بمستشفى الأمل ببحري.
فتح تحقيق
وطلب محامي الدفاع عن د. نافع علي نافع من المحكمة فتح تحقيق للتحري حول من وجه بإعادته للسجن مرة أخرى قبيل اكتمال بروتكول علاجه من جائحة (كورونا) بمستشفى رويال كير، وكشف للمحكمة أن موكله المتهم نافع أصيب بكورونا قبل أسبوعين مما استدعى نقله لمستشفى رويال كير لتلقي العلاج من الجائحة، مشيراً الي أنه وبعد مرور (6) أيام فقط من تلقيه العلاج تفاجأوا بأمر من إدارة السجون بإعادة نافع لسجن كوبر القومي قبيل انتهاء فترة العلاج من جائحة كورونا المحددة بروتكولياً بـ (14) يوماً.
جهات نافذة
ووجه محامي نافع خلال طلبه للمحكمة اتهاماً لجهات سياسية عليا ونافذة لم (يسمها) وجهت بإعادة نافع للسجن قبل اكتمال فترة علاجه، فيما استبعد ادارة مستشفى رويال كير من أن تكون لها يد في اعادته للسجن مرة اخرى، كاشفاً للمحكمة عن حدوث مضاعفات صحية على مستوى الكلى والقلب للمتهم وساءت حالته الصحية مما استدعى اعادته للمستشفى مرة أخرى لتلقي العلاج، منوهاً بأن علاجه يتطلب فترة طويلة أخرى لشفائه منها.
استبدال هيئة الاتهام
وفي ذات السياق طالبت هيئة الدفاع على نحو مفاجئ بإيقاف إجراءات المحاكمة لحين استبدال هيئة الاتهام عن الحق العام باخرى، وعلل محامو دفاع المتهمين طلباتهم للمحكمة المنعقدة بمعهد تدريب ضباط الشرطة بالأدلة الجنائية، بان هيئة الاتهام عن الحق العام في القضية هي ذات اللجنة التي باشرت إجراءات التحقيق والتحري مع المتهمين بحيثيات سياسية.
وارجع محامي الدفاع محمد الحسن الأمين طلبه بإيقاف إجراءات المحاكمة الى أن المحكمة سبق أن استبعدت المتحري وكيل النيابة أحمد النور الحلا من تقديم البلاغ بالرغم من أنه أحد أعضاء لجنة التحري والتحقيق الى جانب هيئة الاتهام عن الحق العام في القضية واستبداله بعضو اللجنة عقيد شرطة جمال الدين الخليفة، وأشارت المحكمة في حيثيات قراراها الى أن اللجنة مجتمعة تعتبر متحرياً في الدعوى الجنائية، مما لا يعطيها الحق في الظهور أمام المحكمة وتمثيل الحق العام، مشيراً الى أنه ايضاً سبق أن ثبت بواسطة المتحري في الجلسة السابقة أن هيئة الاتهام هي ذات اللجنة التي شاركت في التحقيق والتحري مع المتهمين بالبلاغ، مشدداً على أنه بالتالي لا يستقيم الأمر بظهورهم أمام المحكمة كممثلين للحق العام، لا سيما أن نص المادتين (53،54) من قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م قد أعطى المتحري صلاحيات وسلطات محددة، وأن على النيابة فقط الإشراف على التحريات.
تأثير في الأقوال
وطلب المحامي أبو بكر عبد الرازق من المحكمة تنحية كامل اعضاء هيئة الاتهام من الظهور أمامها وتمثيل الحق العام في القضية، معللاُ ذلك بأنه يعتبر مخالفاً لنص المادة (40) من قانون الإجراءات الجنائية، بحيث أنه لا يجوز للضابط المسؤول أو وكيل النيابة لتولي إجراءات الدعوى الجنائية أن يكون طرفاً فيها، مشدداً على أنه ومن خلال تلاوة المتحري أقوال ثلاثة من المتهمين وهم (الرئيس المعزول عمر البشير ود. علي الحاج وإبراهيم السنوسي)، قد تبين أن لجنة التحري والتحقيق حاولت التأثير في المتهمين في التحريات لحملهم على قول معلومات، مضيفاً أنها ذات اللجنة التي باشرت إجراءات التحقيق مع المتهمين وهم رئيس النيابة العامة سيف اليزل سري والمحامي عبد القادر البدوي وآخرون، وهم ذات اعضاء هيئة الاتهام في الدعوى الجنائية.
حيثيات سياسية
وفي ذات السياق أعلن المحامي كمال عمر تضامنه بشدة مع طلب تنحية كامل هيئة الاتهام من تمثيل الحق العام في القضية، عازياً ذلك الى أنهم ذات اللجنة التي مارست دور التحري والتحقيق مع المتهمين بحيثيات سياسية، حيث كان ذلك واضحاً من خلال عمل اللجنة والناطق الرسمي لهيئة الاتهام في القضية معز حضرة، من خلال ادائه دوراً اعلامياً في البلاغ مما أحال يومية التحري بقدسيتها لتكون مادة (دسمة) في الإعلام، مشدداً على أن ظهور اللجنة بهذه الطريقة الإعلامية قد أفشل هيبة النيابة وافقدها حياديتها واستقلاليتها .
بطلان الظهور
وفي المقابل تقدم المحامي عماد جلجال ممثلاً لدفاع المتهم الخامس اللواء معاش يونس محمود، بطلب للمحكمة يلتمس فيه الغاء كافة الإجراءات والطلبات التي تمت بواسطة هيئة الاتهام منذ بدء إجراءات المحاكمة وحتى جلسة الأمس، وذلك لبطلان ظهور هيئة الاتهام عن الحق العام في الدعوى امام المحكمة لانها هي ذات لجنة التحري التي باشرت التحقيق مع المتهمين، مما يعتبر مخالفاً لصريح نص المادة (43) قانون الإجراءات الجنائية لسنة ١٩٩١م، ملتمساً من المحكمة إيقاف إجراءات المحاكمة لحين الفصل في طلبهم، لا سيما أن الطلب يتعلق بمسألة قانونية (جداً) بحد تعبيره، الا وهي تقديم البلاغ ذات نفسه للمحكمة.
وفي ذات السياق قال محامي الدفاع عن المتهم السادس عشر للمحكمة بأنه بالرغم من احترامهم النائب العام تاج السر الحبر وخبرته القانونية الطويلة، الا أن اجراءات البلاغ شابها كثير من الأخطاء القانونية الواضحة، وبالتالي فإنه يعلن تضامنه مع طلب هيئة الدفاع باستبدال هيئة الاتهام في الدعوى الجنائية.
ذوو المتهمين
ووضع محامي الدفاع هاشم ابو بكر الجعلي على منضدة المحكمة طلباً التمس فيه بأن تأذن لذوي المتهمين بحضور جلسات المحاكمة، وذلك اتساقاً مع القوانين والمواثيق الدولية وشرائط المحاكمة العادلة، مشدداً على أن وجود ذوي المتهمين داخل قاعة المحاكمة يعتبر دعماً معنوياً واضحاً للمتهمين خلال سير إجراءات محاكمتهم، لا سيما أن المتهمين يواجهون اتهاماً في البلاغ يمكن أن تحكم عليهم المحكمة فيه بالإعدام، منوهاً بأن المحكمة سبق أن قررت حرمان ذوي المتهمين من حضور جلسة الأمس وعوقبوا بذلك، وقال: (بالتالي نلتمس من المحكمة السماح لهم بحضور جلسات المحاكمة القادمة).
الموجة الثالثة
ومن جانبه دفع رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين عبد الباسط سبدرات، بطلب للمحكمة يلتمس فيه ضرورة ايقاف اجراءات المحاكمة نسبة لجائحة كورونا، واستنكر سبدرات عدم استجابة المحكمة لطلبه حول ذلك في وقت سابق، واستدل سبدرات ببيت شعر للشاعر الجاهلي دريد بن الصمة قائلاً: (أمرتهمُ أمري بمُنْـعَرَج اللِّوى * فلم يَستبينوا النصح إلا ضحى الغدِ)، وحينها قاطعه قاضي المحكمة قائلاً له: (ده ما محل شعر)، وحينها واصل سبدرات في طلبه، واشار الى أنه سبق أن رفضت المحكمة طلبه بإيقاف اجراءات المحاكمة بسبب جائحة كورونا مستندة في ذلك على قرار رئيس القضاء بمزاولة العمل بالمحاكم، غير أنه قد اتضح لاحقاً إصابة المتهم الثاني في القضية د. نافع على نافع بكورونا، واحيل للعلاج بالمستشفى وتمت اعادته للسجن مرة اخرى بعد (6) ايام وقد اختلط بالكثير من المتهمين بسجن كوبر القومي، مشدداً على أنه مازال متمسكاً بطلبه بايقاف اجراءات المحاكمة بعد أن اعلنت الدولة ظهور الموجة الثالثة من كورونا ووصفتها بالاشد والأعنف بالبلاد، مما يعرض المتهمين وهيئتي الاتهام والدفاع والمحكمة نفسها لخطر الإصابة بالجائحة، مشيراً الى أنه وحال قررت المحكمة الاستمرار في اجراءات المحاكمة في ظل هذه الجائحة فإنه يضع (حياتهم والمتهمين) في (عنق) المحكمة.
(حاجة عادية)
وتدخل قاضي المحكمة على الفور وأوضح لهيئة الدفاع عن المتهمين، أنه ظل متابعاً الحالة الصحية للمتهم الثاني د. نافع على نافع باستمرار مع ذويه من جهة وإدارة السجن من جهة أخرى، مشيراً الى أن إدارة السجن ابلغتهم بإعادة المتهم نافع للسجن بموجب قرار مستشفى رويال كير باستقرار حالته الصحية، الا أنه بعدها تدهورت حالته الصحية مرة أخرى، مما استدعى نقله مرة أخرى للمستشفى لتلقي العلاج والرعاية الصحية اللازمة، وأردف رئيس هيئة المحكمة قائلاً: (إن المحكمة ليست لديها يد في ذلك، لأن الطبيعي الزول يمرض يدخلوهو المستشفى ويطلع منها وتستقر حالتو ويرجعوهو مرة اخرى للمستشفى بعد أن تسوء حالته ودي حاجة عادية).
اعتراض الاتهام
فيما اعترض رئيس هيئة الاتهام عن الحق العام في القضية رئيس النيابة العامة سيف اليزل سري على طلب هيئة الدفاع عن المتهمين باستبعادهم عن الظهور أمام المحكمة لتمثيل الحق العام، ملتمساً من المحكمة رفض الطلب، مشيراً الى أنه ووفقاً لقانون الإجراءات الجنائية فقد اسندت الدعوى الجنائية في مرحلتين هما التحري، وان تتولى النيابة العامة التحريات والإشراف عليها وتمثيل الإدعاء أمام المحكمة وفقاً لنص المادة (19) من قانون الإجراءات الجنائية، مشيراً الى أن هيئة الدفاع حدث لها تناقض بأن تتولى النيابة أمر الإدعاء العام في الدعوى والتحريات فيها، الا أن هذه اللجنة قد تولت اجراءات التحري والتحقيق في القضية وفقاً للقرار (4) الصادر عن النائب العام تاج السر الحبر، باعتبارها لجنة تحرٍ ومن حقها تولي التحري وتمثيل الاتهام عن الحق العام امام المحكمة في الدعوى الجنائية .
توجيه وإشراف بالتحري
وبعد الطلب والرد من قبل ممثل الاتهام، عقب محامي الدفاع محمد الحسن، في طلبه للمحكمة قائلاً إن هيئة الدفاع عن المتهمين باعتراضها على ظهور اللجنة لتمثيل الاتهام عن الحق العام لا يعني ذلك بأي حال من الأحوال منع النيابة العامة من الظهور أمام المحكمة لتمثيل الحق العام في القضية، لافتاً المحكمة الى أن اعتراضهم جاء لاستبعاد هيئة الاتهام لتوليها إجراءات التحري في ذات البلاغ، منوهاً بأن القانون اعطى النيابة حق التوجيه والإشراف على التحري، الا أن القانون نص على عدم السماح لمن تولى التحريات الظهور أمام المحاكم ممثلاً للحق العام.
الفصل في الطلبات
وقررت المحكمة الفصل في (3) طلبات أودعتها هيئة الدفاع عن المتهمين، وتم الرد والتعقيب عليها من قبل الاتهام والدفاع، في جلسة إجرائية حددت انعقادها بمكتبه بالمحكمة العليا الخرطوم في الثالث والعشرين من الشهر الجاري، فيما قصرت المحكمة حضور الجلسة على طرفي الدعوى الجنائية فقط.
المصدر : الانتباهة