السودان.. نحو تعويم الجنيه
يحث السودان الخطى لتنفيذ خطة الإصلاحات الاقتصادية الموجعة لبدء تعويم الجنيه حال توفر الظروف الاقتصادية الضرورية لذلك، ومن بينها توفير الاحتياطات الأجنبية في البنوك وتوحيد سعر الصرف وتنظيم العرض والطلب لتفادي انزلاق الأسعار.
الخرطوم – ينتظر السودان توفر الظروف المناسبة لتعويم الجنيه، وهي إحدى أبرز خطوات الإصلاح الاقتصادي، وذلك بالعمل على توحيد سعر الصرف وتوفير الاحتياطات الأجنبية اللازمة لتيسير الحصول على المزيد من التمويل والمحافظة على دعم جزئي للمواد الأساسية.
قالت القائمة بأعمال وزير المالية في السودان هبة محمد علي في مقابلة هذا الأسبوع، إن البلاد ستتخذ قرارا بتعويم عملتها عندما يكون لديها ما يكفي من الاحتياطيات الأجنبية، وإنها تجري أيضا محادثات مع عدة أطراف للحصول على قروض ومنح.
ويمر السودان بأزمة اقتصادية عميقة منذ تولي حكومة انتقالية الحكم في منتصف 2019 بعد انتفاضة، إذ بلغ التضخم نحو 254 في المئة في ديسمبر، إلى جانب عجز في الوقود والخبز والكهرباء.
وكانت مديرة صندوق النقد كريستالينا جورجيفا قالت الشهر الماضي إن الصندوق يعمل “بشكل مكثف جدا” مع السودان لوضع الشروط المسبقة لتخفيف كبير لأعباء الديون، وسيعمل على تقييم التقدم على صعيد برنامج مراقبة من خبراء في مارس.
هبة محمد علي: علينا في الحكومة العمل على الالتزام بتوحيد سعر الصرف
وسد الفجوة الآخذة في الاتساع بين سعر الصرف الرسمي البالغ 55 جنيها سودانيا مقابل الدولار والسعر في السوق السوداء الذي وصل حد 360 الجمعة عنصر أساسي في برنامج صندوق النقد الدولي للمراقبة لمدة 12 شهرا، الذي يأمل السودان أن يؤدي إلى إنقاذ بنحو 60 مليار دولار من الدين الخارجي.
وقالت محمد علي في تصريحات صحافية “علينا في الحكومة الالتزام بتوحيد سعر الصرف، وقرار تعويم العملة سيُتخذ بعد توفير احتياطيات أجنبية في البنك المركزي، إلى جانب السياسات الاقتصادية التي تنظم العرض والطلب”.
وأضافت “توقيت تعويم العملة محدد بتوفر الظروف المناسبة، لئلا تكون هناك قفزة كبيرة في سعر الصرف”.
وأكدت أن “تنفيذ الإصلاحات وتخفيف أعباء الديون من شأنهما تيسير الحصول على المزيد من التمويل”.
وتابعت “نتوقع تلقي عدة منح وقروض هذا العام بعد رفع البلاد من قائمة الولايات المتحدة للإرهاب وإذا وصلنا إلى نقطة اتخاذ القرار في ما يتعلق بديون السودان”، وذلك في إشارة إلى رفع واشنطن اسم السودان من من قائمتها للدول الراعية للإرهاب في ديسمبر 2020.
وقال متحدث باسم البنك الدولي لرويترز “البنك الدولي لا يعلق بشكل عام على برامج الإقراض التي ليست محل نظر من جانب مجلس إدارتنا”.
وحذر مصدر مطلع على المفاوضات من أن المتأخرات على السودان للبنك الدولي لا تزال بحاجة لتسويتها. ووقعت الولايات المتحدة الشهر الماضي اتفاقا لتقديم قرض تجسيري لتسوية متأخرات البلاد البالغة 1.2 مليار دولار للبنك الدولي.
وقال المصدر إن تمويل البنك الدولي سيأتي على الأرجح بأقل من الملياري دولار التي أشارت إليهما الوزيرة.
وقالت محمد علي إن الإصلاحات الاقتصادية مثل رفع دعم الوقود في العام الماضي كانت ضرورية لمحو آثار 30 عاما من حكم الرئيس السابق عمر البشير الذي أطيح به في أبريل 2019.
وأضافت “هذه إجراءات مؤلمة للمواطن لكنها ضروروية وحتمية”، متابعة أن الحكومة أبقت على بعض الدعم، وستبدأ في نشر برنامج لدعم الأسر في غضون أسبوعين يهدف إلى تغطية 80 في المئة من السكان.
وتابعت أن السودان تلقى 200 مليون دولار من 400 مليون دولار يحتاجها من مانحين للعام الأول من البرنامج.
ولا يزال السودان يدعم استهلاك القمح الذي يبلغ في البلاد 1.9 مليون طن سنويا، وهو ما تقول علي إنه من المقرر السعي للحصول على ما بين 650 ألف طن و700 ألف طن منه عن طريق اتفاقات شراء مباشر.
وقالت إن السودان ينتج 700 ألف طن من القمح محليا، وسيتلقى ما بين 300 ألف طن و350 ألف طن من القمح في صورة مساعدات من الولايات المتحدة و200 ألف طن أخرى من برنامج الغذاء العالمي.
وتعمل الحكومة التي تشكّلت في أغسطس 2019 بموجب اتفاق تمّ التوصل إليه بين الجيش وقادة الحركة الاحتجاجية على إعادة بناء الاقتصاد الذي قوّضته عقود من العقوبات الأميركية المشدّدة والنزاعات الداخلية.
وقام السودان في يونيو العام الماضي ببعض الإصلاحات لإقناع المانحين بجدية الحكومة في تطبيق شروط الحصول على الدعم.
وبدأ بالتخلص من أعباء العشرات من شركات القطاع العام التي أصبحت حملا ثقيلا على الدولة الغارقة في أزمات اقتصادية ومالية لا حصر لها.
80
في المئة نسبة الدعم التي حافظت عليها الحكومة لتغطية حاجيات المواد الأساسية
وكان السودان عاجزا طيلة سنوات عن طلب الدعم من صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي بسبب ديون بنحو 1.3 مليار دولار لفائدة الصندوق، وبسبب إدراجه على اللائحة الأميركيّة “للدول الراعية للإرهاب” قبل أن يتم رفع اسمه أواخر العام الماضي.
ومنذ انفصال جنوب السودان عن السودان عام 2011، يعاني اقتصاد البلاد من ارتفاع معدّلات التضخم وتراجع قيمة الجنيه السوداني إثر فقدان عائدات 470 ألف برميل يوميا.
وتسعى الحكومة إلى القيام بإصلاحات برئاسة عبدالله حمدوك الذي عمل لسنوات في الأمم المتحدة وتمّ تعيينه بعد اتّفاق سياسي بين العسكريين والمدنيّين ليرأس حكومة لفترة انتقاليّة تمتدّ ثلاث سنوات وتنتهي بإجراء انتخابات عامّة.
وسبق أن أكد صندوق النقد الدولي في تقرير أن “نسبة الانكماش الاقتصادي بلغت في عام 2018 نحو 2.2 في المئة لتسجل ارتفاعا العام الماضي إلى 2.6 في المئة. وتوقع أن ينكمش هذا العام بنسبة 1.5 في المئة ليبدأ النمو العام المقبل بنسبة 1.4 في المئة”.
وأوصى التقرير حكومة حمدوك بإجراء إصلاحات اقتصاديّة، على رأسها رفع الدعم عن المحروقات. وأشار إلى أنّ الدين الخارجي يبلغ حوالي 55 مليار دولار إضافة إلى 3 مليارات متأخّرات واجبة السداد للبنك الدولي وصندوق النقد الدولي، وهو ما يعيق حصول البلاد على تمويل خارجي.
ومؤخرا كثف السودان تحركاته بهدف زيادة الاستثمارات، حيث كشف يناير الماضي عن خطة طموحة للاستثمار في قطاع التعدين الذي يعد من المجالات الواعدة في البلد.
ووضعت الشركة السودانية للموارد المعدنية العديد من الخطط والسياسات للعام الحالي من أجل المساهمة في تطوير وتنظيم التعدين التقليدي بالولاية الشمالية، والمحافظة على سلامة المعدن واستخراج أكبر كمية ممكنة من الذهب لدفع عجلة الاقتصاد والتنمية والخدمات في البلاد.
كما تسعى السلطة الانتقالية السودانية إلى تأمين مصادر الكهرباء من خلال الدخول في تحالفات للربط الكهربائي، وجذب استثمارات تضمن استدامة إمدادات الطاقة عبر تعزيز التعاون والاستفادة من تجارب دول أخرى كالإمارات ومصر
المصدر : جريدة العرب اللندنية