محكمة مدبري انقلاب 30 يونيو 1989م .. جلسة القرارات الحاسمة

يبدو أن محامي المتهمين منسوبي المؤتمر الشعبي قد جهزوا شعورهم لاستقبال قرارات هيئة المحكمة المختصة بمحاكمة مدبري انقلاب 30 يونيو 1989م المتهم فيها الرئيس المعزول عمر البشير و (27) من قادات الحكومة البائدة، برفض طلباتهم المتعلقة بايقاف اجراءات محاكمة المتهمين واستبعاد احد هيئة اعضاء المحكمة من منصتها لهتافه ضد موكليهم المتهمين باعتصام القيادة العامة على حد تعبيرهم،

الى جانب رفض طلبات اخرى للدفاع في جلسة الامس المنعقدة بمعهد تدريب ضباط الشرطة بمباني الادلة الجنائية بالخرطوم، لاسيما انه بعد رفع المحكمة للجلسة رصدت (الإنتباهة) وجود تجمع غفير من منسوبي المؤتمر الشعبي يصطفون أمام المحكمة بالخارج ويحملون لافتات مدون عليها عبارات (لا لتسيس العدالة/ ولجنة التمكين سيف مسلط على القضاة/ المحاكمة على الانقلابات تبدأ من البرهان وحاضنته وتمر بكل القوي السياسية /غياب المحكمة الدستورية مدعاة لاخذ القانون باليد/ اليس الاولى ان تحاكم قحت من فض اعتصام القيادة واشعل النار في فتابرنو والجنينة)، حيث لم يقف تجمع منسوبي المؤتمر الشعبي عند حمل اللافتات والصور التي كانت مطبوعة عليها صور للامين العام للمؤتمر الشعبي د. علي الحاج ونائبه ابراهيم السنوسي، اضافة الى صور للقيادي بالشعبي عمر عبد المعروف، وانما نصبت منصة امام بوابة المحكمة من الخارج وضع خلالها مكبر للصوت على متن عربة بوكس، وخاطب محامو الدفاع بالشعبي الجماهير المصطفة من خلالها وقابلوهم بالتهليل والتكبير.
غياب متهم للمرض
وفي مستهل جلسة المحاكمة بالامس شرعت المحكمة في تسجيل حضور جميع هيئات الاتهام والدفاع، وحينها تفاجأت المحكمة بأن المتهم الثاني عشر سليمان محمد سليمان قد تغيب عن جلسة المحاكمة لظروف صحية بحسب ما اعلن عنه محاميه للمحكمة، وتسليمها مستندات تقارير طبية توضح ان موكله المتهم مريض ولم يتمكن من الحضور للجلسة .
رفض طلب بإيقاف المحاكمة
ومن جانبه أصدر قاضي المحكمة قراراً برفض طلبين للمحامي بارود صندل رجب رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين منسوبي المؤتمر الشعبي (عمر عبد المعروف، علي الحاج، ابراهيم السنوسي)، بوقف اجراءات المحاكمة استناداً لنص المادة (201) من قانون الاجراءات الجنائية لحين الفصل في طلبي شكوى بطرف رئيس القضاء تتعلقان بتنحية القاضي محمد المعتز عضو هيئة المحكمة لمشاركته في اعتصام القيادة وهتافه ضد المتهمين، والطلب الثاني يتعلق بامر تشكيل المحكمة الذي جاء مخالفاً لنصوص الوثيقة الدستورية وقانون الاجراءات الجنائية وعدم صلاحيتها للنظر في الدعوى .
وأرجع قاضي المحكمة رفض الطلبين الى استلامه قرارين من المدير التنفيذي لمكتب رئيس القضاء يقضيان برفض طلبات الدفاع المقدمة من المحامي بارود صندل والمتعلقة بالطعن في دستورية المحكمة واهلية احد اعضاء هيئة المحكمة، وشدد القاضي على انه وبموجب ذلك فقد انتفت اسباب تقديم الطلبين او اصدار المحكمة قراراً فيها، ونبهت المحكمة الى ان هذه المحكمة محكمة طبيعية جنائية شكلت بامر رئيس القضاء، وتتم محاكمة المتهمين فيها وفق ما يكفل حقوقهم القانونية ويطعنون في احكامها في الدرجات العليا للتقاضي، ولفت القاضي الى ان حديث المحامي صندل بعدم دستورية المحكمة زعم خاطئ على حد تعبيره .
رفض شطب الدعوى ضد إيدام
ومن جهتها رفضت المحكمة طلباً بشطب الدعوى في مواجهة المتهم الحادي عشر ابراهيم نايل ايدام، لتجاوز النيابة الاذن المنصوص عليه في محاكمة منسوبي القوات المسلحة، وعللت المحكمة رفضها الطلب بأن منشور القوات المسلحة لعام 2018م يتعلق بالجرائم العسكرية التي يرتكبها منسوبوها اثناء وجودهم بالخدمة واستثني من ذلك المدنيين، ولفتت المحكمة الى ان المتهم واثناء تقييد الدعوى الجنائية اتضح انه لم يكن خاضعاً لقانون القوات المسلحة ولم يكن بالخدمة العسكرية .
رفض طلب بحجب النشر الإعلامي
وفي ذات السياق رفضت المحكمة كذلك طلباً للمحامي احمد عثمان ممثلاً للدفاع عن المتهم الـ (34) الغائب عن جميع جلسات المحاكمة، بمنع وحجب النشر الاعلامي في القضية، وعلل ذلك بتنفيذ مبدأ العلنية في المحاكم والوصول لمحاكمة عادلة للمتهمين، فيما الزم ذات القاضي الاعلاميين بضرورة نقل ما يدور داخل الجلسة كما ورد دون تعليق او تحليل.
وشدد قاضي المحكمة على أن اساس المحاكمة العادلة علنية الجلسات، وهو ما جاء متفقاً عليه في المادة (10) من قانون الاعلام العالمي لحقوق الانسان لسنة 1948م، لاسيما ان اي انسان له الحق في ان ينظر ملف محاكمته وينظر التهمة الموجهة له بمحاكم علنية ، مشدداً على ان المشرع السوداني في نص المادة (38) ارسى مبدأ علنية الجلسات لمراعاة حق المتهم وكفل حقوقه، وليس عادلاً متابعة المتهم لجلسات محاكمته سرياً.
وافاد قاضي المحكمة بانه مندهش من طلب محامٍ لمتهم غائب عن جلسات المحاكمة واخفى نفسه عن النيابة ان يطلب طلباً بحجب النشر الاعلامي في القضية، في وقت كان من المفترض ان يكون فيه المتهم الغائب احرص الناس على النشر الاعلامي حتى تتسنى له متابعة وقائع الجلسات عبر الاثير وما يدور فيها وسماع اقوال الشهود وتقديمهم الشهادة، ونبهت المحكمة الى ان المتهم الغائب كلف محامياً للظهور بدلاً منه، ووافقت المحكمة على ظهوره امامها بالرغم من اعتراض هيئة الاتهام عليه في وقت سابق.
وحول حديث ممثل دفاع المتهم الغائب بان النشر الاعلامي للقضية وتناول اقوال الشهود يضر بسير اجراءاتها وقد يفشي اسراراً عسكرية ويمس الامن القومي للبلاد، وكانت المخابرات الاجنبية تدفع مبالغ طائلة للحصول عليها، افاد القاضي بان هذا الحديث مردود على قائله، لاسيما ان قضية الاتهام ليست بها اية اسرار عسكرية تمس الامن القومي للبلاد، واضاف القاضي بقوله : (وفي حال أثير أي سؤال بهذا الصدد من حق أي من الاطراف الاعتراض عليه).
التزام القضائية بمكافحة الجائحة
وفي المقابل رفض قاضي المحكمة أيضاً طلباً لهيئة دفاع المتهمين الـ (8/14/15/17/27) بتعليق جلسات المحاكمة لجائحة كورونا، وقررت المحكمة المواصلة في سماع جلسات القضية، مبرراً ذلك بانه سبق ان اصدر القاضي السابق لهيئة المحكمة قراراً بتحويل محاكمة المتهمين من قاعة تدريب العلوم القضائية الى قاعة تدريب ضباط الشرطة بمقر مباني الادلة الجنائية، وذلك لحجمها الكبير ومواءمتها للشروط الصحية للجائحة مع تباعد جلوس الحاضرين فيها من كافة الاطراف، مشدداً على ان جميع المؤسسات الحكومية ومن بينها السلطة القضائية قد اتخذت جميع التدابير الصحية منعاً للجائحة من تعقيم وارتداء الكمامات والتباعد الاجتماعي وغيرها، اضافة الى ان رئيس القضاء في وقت سابق قد اصدرت توجيهاً ادارياً بتقليل مرتادي المحاكم واستنثناء من هم في الحراسات ومن بينهم المتهمون الماثلون بالمحكمة، فيما نبه ذات القاضي الى ان رئيس القضاء وجهت بمزاولة جميع المحاكم عملها بصورة كلية .
وحول حديث رئيس هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية مدبري انقلاب 89م المحامي عبد الباسط سبدرات، بأن رئيس القضاء ليست مختصة باصدار توجيهات وقرارات بشأن الجائحة لانها ليست من ضمن اللجنة العليا الصحية بالبلاد، هنا اجابه القاضي قائلاً: (ان مثل هذا القول يجافي الحقيقة لان رئيس القضاء لا تبدي اي قرارات حول ذلك الا بعد ابداء الجهات الصحية والفنية والطوارؤ رأيها حول ذلك لتسيير دولاب العمل) .
استبعاد وكيل النيابة (الحلا)
فيما وافقت المحكمة على طلب هيئة الاتهام عن الحق العام باستبعاد وكيل نيابة الخرطوم شمال أحمد النور الحلا الموقوف ادارياً من قبل النائب العام من تقديم ملف الدعوى الجنائية امام المحكمة كمتحرٍ فيها واستبداله بعضو لجنة التحقيق والتحري في البلاغ عقيد شرطة جمال محمد الخليفة، وقررت المحكمة امهال المتحري الجديد فرصة لاسبوعين حتى يتسنى له الإطلاع على ملف الدعوى الجنائية وتقديمه يومية التحري فيه امام المحكمة .
وقال قاضي المحكمة في قرار استبعاد المتحري وكيل النيابة الحلا ان المادة (33) من قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991م التي تتعلق بفتح اجراءات الدعوى الجنائية بناءً على علم شرطة الجنايات والنيابة العامة أو بناءً على ما يرفع لاي منهما بالشكوى، منوهاً بانه وبتاريخ 13/5/ 2019م قد تقدم بعض المحامين للنائب العام بعريضة يطلبون فيها تقييد دعوى جنائية بما ورد من اسباب على لسانهم، وبموجب ذلك مثل الشاكي في البلاغ امام المتحري وكيل النيابة احمد الحلا الذي بدوره اصدر اوامر بالتحري وقام باستجواب الشاكي وثلاثة من شهود الاتهام مثلوا امامه، وشددت المحكمة على انه وبمراجعة خط الكتابة بيومية التحري لاقوال شهود الاتهام اتضح وجود اختلاف في الخط، مما يعني ان وكيل النيابة قد استعان بآخرين لتدوين اقوال الشهود التي شملت من صفحة (1 الى 27) من يومية التحري، مشيراً الى انه وبعد ذلك اصدر النائب العام قراراً بتشكيل لجنة بالتحري في البلاغ برئاسة وكيل النيابة سيف اليزل سري ومقررها وكيل النيابة احمد النور الحلا، وعضوية كل من مدير المباحث الاسبق الفريق عابدين الطاهر حاج ابراهيم الى جانب عضوية العقيد شرطة جمال محمد الخليفة وآخرين .
وأكدت المحكمة ان لجنة التحري بعد ذلك تولت كافة اجراءات البلاغ ابتداءً من صفحة (27 وحتى 313) من يومية التحري، وشددت المحكمة على ان المتحري وكيل النيابة الحلا قام باجراءات التحري في البلاغ التي لا تتجاوز (9%) من يومية التحري، ونوهت المحكمة بانه وفور تشكيل لجنة للتحري يصبح اي عضو منها مؤهلاً لتقديم الدعوى الجنائية امام المحكمة، ولفتت المحكمة الى ان الاتهام هو ما يحدد ما يقدمه من قضيته للمحكمة، وحول حديث رد الدفاع بان النيابة ينتهي دورها بتقديم الملف اللمحكمة فإن ذلك لا سند له في الفلسفة التشريعية خاصة في ما يتعلق بدعاوى الحق العام التي يجوز للنائب العام اتخاذ قرار فيها بوقف اجراءات الدعوى حتى في مرحلة قبل النطق بالحكم .
تبديل الحكومة وحاضنتها السياسية
ووصف المحامي أبو بكر عبد الرازق عن المتهمين منسوبي المؤتمر الشعبي قضية مدبري انقلاب 89م بالمسرح السياسي الكبير، ولا يظنون منها خيراً ولا يرجون منها عدالة، موضحاً ان هذه المحكمة بدأت بخطـأ عند اختيار النائب العام تاج السر الحبر المنتمي لاحد الاحزاب السياسية، اضافة الي اختيار رئيس القضاء نعمات عبد الله محمد خير التي خرجت في الاحتجاجات، وحينها حمل النائب العام هذا البلاغ من المحكمة العليا وفتحت له قاعة الامام علي بالمحكمة العليا وادار مؤتمراً صحفياً سلم خلاله البلاغ للهيئة القضائية التي قبلت هذا الانتهاك السياسي الصارخ، مشيراً الى انه بعد ذلك قامت رئيس القضاء بتكوين محكمة سياسية التي من صفاتها تكوينها بواسطة الخصم لتنحية خصومه السياسيين من المسرح السياسي، واعتبر ذلك شرطاً ينطبق على هذه المحاكمة ويفصل فيها القاضي على المتهمين، لاسيما ان رئيس القضاء قد قامت بتفصيل ثلاثة قضاة على المتهمين على حد قوله، مشيراً الى ان هذه المحاكمة بها تجاوزان، اولهما انها محكمة كبرى تم الغاؤها في قانون الاجراءات الجنائية لسنة 1991م قبل ثلاثين عاماً، وكانت في قانون العقوبات لسنة 1983م، اضافة الى ان تجاوز المحكمة الثاني يتمثل في انها محكمة خاصة خالفت نص المادة (52) من الوثيقة الدستورية لسنة 2019م التي تساوي بين المواطنين السودانيين امام القضاء في سياق المحاكمة العادلة، وتجعل كل مواطن سوداني يحاكم امام قاضيه الطبيعي في محكمة طبيعية مختصة، ووصف عبد الرازق قرار المحكمة بانه فصل على المتهمين، وانهم في الدفاع لا يرجون خيراً من هذه المحكمة على الاطلاق على حد تعبيره .
وطالب المحامي ابو بكر عبد الرازق منسوبي المؤتمر الشعبي في وقفة احتجاجية امام مقر مباني الادلة الجنائية بالخرطوم عقب خروجهم من جلسة محاكمة مدبري انقلاب (89)، بتغيير الاوضاع وفرض الامر الواقع الذي يبدل رئيس القضاء والنائب العام والحكومة وحاضنتها السياسية بالبلاد، من أجل ارساء مبادئ العدالة والنزاهة والاستقامة والاستقلالية.
ووصف عبد الرازق قرار قاضي المحكمة برفض جميع طلباتهم في هيئات الدفاع المتعلقة بامر تشكيل المحكمة وتنحي احد اعضائها وتعليق جلساتها لجائحة كورونا، اضافة الى موافقة المحكمة لطلب الاتهام باستبدال المتحري بآخر، وصف كل ذلك بأنه فضيحة في جبين القضاء السوداني بأن يقرر القاضي ان النيابة العامة التي تمثل الاتهام لها الحق في ان يكون لها رأي بعد احالة البلاغ للمحاكمة، ويدعي ادعاءً غير صحيح لا ينص عليه شرع او قانون او فقه او شروح او سوابق القضاء .

المصدر : الانتباهة

Exit mobile version