حيدر المكاشفي يكتب : الحصانة المعيقة للعدالة
كشف النائب العام مولانا تاج السر الحبر عن ضرورة حسم مسألة الحصانات، بعدم الابقاء على الحصانات السابقة خاصة حصانة جهاز الأمن وحصانات الأجهزة الأمنية الأخرى، معربا عن أمله فى إجازة مشروع قانون الحصانات..وبالطبع من يجيز مشروع هذا القانون هو آلية الاجتماع المشترك بين مجلسي السيادة والوزراء، حسبما هو مقرر فى الوثيقة الدستورية لحين قيام المجلس التشريعي، وعبر هذه الآلية تم اجازة العديد من القوانين، ولهذا يبدو غريبا عدم اجازة مشروع قانون الحصانات ليصبح نافذا عبر الآلية ذاتها..الراجح ان هناك جهات داخل السلطة الانتقالية تعارض هذا القانون وتحول دون اجازته، وما تلك الجهات سوى المكون العسكري الذي كان قد اعترض بشدة على ازالة الحصانات، كان ذلك على ايام احتدام النقاش حول الوثيقة الدستورية قبل التوافق عليها بين المجلس العسكرى وقوى الحرية والتغيير، ولهذا بقي موضوع ازالة الحصانات معلقا الى يوم العدالة المنقوصة هذا، وقد شكا النائب العام غير ما مرة عن عدم تعاون الجهات الامنية والعسكرية بتلبية طلباته لرفع الحصانة عن بعض منسوبيها لتتمكن النيابة من اخضاعهم للتحقيق والتحرى، اذ لم تكن النيابة تملك أية سلطة على ذوي الحصانات المطلوبين للتحري والتحقيق والاستجواب، سوى أن تكتب طلبا لا يستجاب له في الغالب الأعم، وهذه وأيم الحق ممارسة تنتهك العدالة في أولى مراحلها، فأن تطلب النيابة من جهة من الجهات مثلا ان ترفع الحصانة من احد منسوبيها ليتسنى لها استجوابه حول تجاوزات أو اتهامات طالته، فترفض تلك الجهة الاستجابة، فتلك من جهة ممارسة تعد بكل المقاييس تعديا على العدالة واعاقة لها، ومن جهة أخرى تعتبر حماية لشخص قد يكون ضالعا فى جريمة ما، وتفتح بذلك الباب واسعا للمجرمين للافلات من العقاب، فالبرئ لا يتهيب التحقيق ويتهرب منه بل العكس سيكون الاحرص عليه لاثبات براءته.. �الشاهد في موضوع الحصانات وضرورة الغائها، ان النظام البائد توسع كثيرا في منح هذه الحصانات، ولا تفسير لهذه الاريحية المناقضة للعدالة غير ان النظام أراد ان يسبغ حماية لبعض عناصره من التعرض للمقاضاة، فغير القوات النظامية كافة، تمتع بالحصانة ايضا كثيرون حتى أوشكت أن تطال نسبة مقدرة من الوظائف العامة، وعليه يبقى من المطلوب عاجلا من أجل ارساء دولة العدالة والقانون، ان يتم على الأقل بأضعف الايمان مراجعة هذه الحصانات واخضاعها للمعايير والأسس والقواعد الدولية الراسخة الرافضة تماما لكل ممارسة تجهض حكم القانون، هذا ان لم يتم الغاء كل الحصانات باستثناء فقط الحصانة البرلمانية، التي تكفل للبرلماني حرية الكلام دون ان يكون عرضة لاتخاذ أي إجراءات ضده في أي محكمة بسبب أي شيء قاله أو صوت أعطاه، وفيما عدا ذلك فلا حصانة له، وهذه هي الدرجة القصوى من الحصانة الممنوحة في كل دساتير البلاد الديمقراطية، وهي لا تتجاوز حصانة حرية التعبير كاملة للبرلماني، وأي قدر آخر من الحصانات يمنح لجهات رسمية أخرى، يعتبر بدعة لا تعرفها الأنظمة الديمقراطية وتعتبر انتقاص للعدالة واعاقة للقانون..