تعيش الحكومة الانتقالية هذه الأيام أضعف حالاتها، في اعقاب التظاهرات والاحتجاجات الغاضبة التي تشهدها العاصمة وبعض الولايات احتجاجاً صارخاً على تردي الأحوال المعيشية والامنية، هذا غيرعمليات اللطم والضرب المتواصل التي ظلت وما انفكت الحكومة تتلقاها ممن يفترض انهم حاضنتها السياسية بل هم الذين أتوا بها، وكان عليهم ان يسندوها ويشدوا من أزرها، يسدوا نقاط ضعفها ويعززوا مراكز قوتها، ويعضون عليها بالنواجذ، ولكن من شقاء هذه الحكومة انها ظلت تتلقى الصفعات والدمغ بالفشل من الاصدقاء قبل الاعداء، يلطمونها على خدها الأيمن وقبل أن تفيق من اللطمة تتلقى أخرى على الايسر، والمفارقة هنا هي أن من قادوا الثورة بنجاح مبهر من ثوار واحزاب وتنظيمات ومنظمات، هم ذاتهم من سيكونون سببا في وأدها، فالبعض يطالب باسقاط الحكومة وذهابها غير مأسوف عليها، ويستولد هذا الوضع المرتبك والملتبس سؤالا محوريا فحواه (قول الحكومة سقطت)، ثم ماذا بعد سقوطها، من يستلم مقاليدها، هل تتسلمها (قحت) وتعيد الكرة من تاني، أم هل سيتسلمها الجيش والدعم السريع ونكون كالمنبت لا ظهرا ابقى ولا ظهرا قطع وتعود الدورة الخبيثة (ديمقراطية..انقلاب) وتدور البلاد في هذه الدوامة مثل جمل العصارة..
ان سقوط الحكومة يختلف عن حلها واصلاحها، فالحل والاصلاح يتم في الظروف العادية وحسب الوثيقة الدستورية، أو حسب المدة المقررة للفترة الانتقالية، أما اسقاطها فيتم في ظروف غير عادية، ومن هذه الظروف غير العادية ان تضطرب الأحوال الامنية وتعم الفوضى ويسود الشغب وتتدهور الاوضاع المعيشية لدرجة غير محتملة، وفي هذه الحالة لن يكون البديل الا واحد من اثنين، اما انقلاب عسكري وهذا مستبعد عندي، أو جهة معادية للثورة تستثمر فى مثل هذه الاجواء بل وتكون صانعة لها أو مساهمة فيها، وهذا في تقديري هو البديل الجاهز، ولن يكون هذا البديل غير فلول النظام البائد ومجموعة المصالح المستفيدين من فساده.. صحيح أن هناك جملة عوامل من أبرزها ما تشهده عملية الانتقال من سيولة وهشاشة شديدة عادة ما تتسم بها الأوضاع في اي بلد يعايش مرحلة انتقال، ولكن للفول كذلك دور واضح للاستثمار في هذه السيولة والهشاشة، بالعمل على إرباك واضعاف الحكومة، خاصة وأنها تملك وسائل ذلك عبر وجودها في مفاصل دولة التمكين التي امتدت لثلاثين عاما، كما تملك شبكة علاقات الفساد والمصالح التي انتجتها خلال حكمها، وهي شبكة تستميت فى مقاومة أي تغيير يستهدف مصالحها، ومن اجل الوصول الى هدفهم النهائي وهو بالمناسبة الوصول الى مرحلة الانتخابات المبكرة وليس الانقلاب كما يظن البعض، استخدموا عدة اوراق، وعندما لم تؤتِ أكلها لجأوا أخيراً لاستخدام الورقة القبلية كما أشار لذلك مؤخراً والي غرب دارفور، وذلك حتى يتمكنوا من تحقيق الهدف النهائي في إضعاف الحكومة وإنهاء الفترة الانتقالية قبل أوانها، للوصول إلى محطة الانتخابات المبكرة التي يملكون أدواتها من قدرات تمويلية وعلاقات الفساد القديمة، وربما علاقات اقليمية مازالت موصولة..ولهذا المطلوب من كل قوى الثورة ان ترتقي الى مستوى المسؤولية وترتفع الى قدر هذا التحدي للعبور بالمرحلة الانتقالية الى بر الأمان.
***********
صحيفة الجريدة