بعد قرار النائب العام.. الاعتقالات.. هل ستختفي الظاهرة؟
يعتبر الاختفاء القسري والاعتقال التعسفي أحد الانتهاكات الخطيرة لحقوق الإنسان الأساسية التي تمتد حمايتها في ظل القانون الدولي والتشريعات الوطنية، وقد شهدت السنوات الثماني الأخيرة لحكم الإنقاذ عدداً كبيراً من الاعتقالات التعسفية، خصوصاً للناشطين السياسيين من معارضي نظام الإنقاذ على خلفية النقد السلمي للحكومة عبر وسائل التواصل الاجتماعي داخل وخارج البلاد، وفي تلك الفترة كثرت الاعتقالات للناشطين من قبل الأجهزة الأمنية التي استخدمت شتى السبل لاسكات صوت المعارضين للنظام.
وفي مارس من عام 2011م أوردت (هيومان رايتس ووتش) أن مسؤولين في جهاز الأمن السوداني مارسوا أشكالاً قاسية من التعذيب البدني والاعتداء الجنسي على أعداد كبيرة من المحتجين السودانيين الشباب عقب احتجاجات يناير وفبراير عام 2011م. ووفقاً للإفادات الشخصية والمعلومات التي حصلت عليها (هيومان رايتس ووتش)، فقد تعرّض الطلاب والشباب الذين جرى اعتقالهم، وبعضهم لم يتعد سن (18) عاماً، لأشكال قاسية من الضرب والصعق بالكهرباء واعتداءات أخرى تصل لمستوى التعذيب.
وإذ بدأنا التطواف على أمثلة الاعتقالات التعسفية للناشطين والمعارضين لحكم الإنقاذ، نجد أنه في يناير من عام 2012م اعتقل جهاز الأمن والمخابرات الوطني الناشط السياسي محمد حسن عالم البوشي من منزله بإحدى ضواحي الخرطوم، وذلك بعد أيام من توجيهه انتقادات علنية إلى سياسات الحكومة بصورة عامة ومساعد رئيس الجمهورية وقتها نافع علي نافع.
وفي نوفمبر من عام 2017م وبناءً على طلب من جهاز الأمن والمخابرات الوطني اعتقلت السلطات في المملكة العربية السعودية الناشط السياسي والقيادي في حركة 27 نوفمبر هشام محمد علي الشهير بـ (ود قلبا)، وتم تسليمه للسودان في التاسع والعشرين من مايو، واعتقلت الأجهزة الأمنية د. جلال مصطفى نائب رئيس لجنة التضامن السودانية وسميرة عباس ومحمد معتصم كباشي ومؤيد معتصم كباشي وعبد العزيز شرف الدين، على خلفية وقفة احتجاجية نفذتها لجنة التضامن السودانية مع المعتقلين أمام مباني جهاز الأمن والمخابرات بالخرطوم وقتها، مطالبين بإطلاق سراح الناشط السياسي (ود قلبا) المعتقل في سجون الأمن، كما رفعت لافتات تطالب بإطلاق سراح (الشيخ مطر) المعتقل شهوراً لدى الأمن.
وظلت طوال تلك السنوات يد الأجهزة الأمنية ممتدة لتطول النشطاء السياسيين ومنتقدي نظام الإنقاذ في الأسافير، وبعدها تم اعتقال المدير الفني لموقع (الراكوبة) وليد الحسين، والنية كانت تسليمه للمخابرات السودانية لولا تدخل دولي قادته إدارة الرئيس السابق باراك أوباما والمسؤولة عن حقوق الإنسان ليزا شيرمان، إضافة لعدد من المنظمات الدولية والمحلية، إلى جانب القوى السياسية السودانية والمهتمين بحقوق الإنسان. وأجبر ذلك السلطات السعودية على إطلاق سراحه والسماح له بالمغادرة للولايات المتحدة الأمريكية.
حسناً.. وبعد ثورة ديسمبر المجيدة حصرت الوثيقة الدستورية دور جهاز الأمن والمخابرات الوطني في جمع المعلومات وتقديمها للسلطات المختصة، دون أن تكون له سلطة التحفظ والاعتقال لأي مواطن سوداني، وحددت الوثيقة مهام جهاز المخابرات بأنه (جهاز نظامي يختص بالأمن الوطني، وتقتصر مهامه على جمع المعلومات وتحليلها وتقديمها للجهات المختصة، ويحدد القانون واجباته ومهامه ويخضع للسلطتين السيادية والتشريعية) .
وبعد عامين من اندلاع ثورة ديسمبر المجيدة بدأت عمليات الاختفاء القسري وقتل الشباب جراء التعذيب في تزايد، وآخرها كان في ديسمبر من العام الماضي حينما أعلن عن وفاة الشاب بهاء الدين نوري، بعد اختفائه لعدة أيام، حتى أُبلغت أسرته بوفاته أثناء التحقيق معه بواسطة قوة تابعة للدعم السريع .
وبعد حادثة الشهيد بهاء الدين بأيام وفي مطلع يناير الجاري، أصدر النائب العام مولانا تاج السر علي الحبر توجيهاً لكافة الأجهزه الأمنية (رئيس القضاء العسكرى ــ مدير عام جهاز المخابرات العامة ــ ممثل مدير عام الشرطة ــ رئيس الإدارة القانونية لقوات الدعم السريع ــ مدير وحدة الاستخبارات العسكرية) يمنع إلقاء القبض على المدنيين إلا بواسطة الشرطة والنيابة. وأشار النائب العام في التوجيه المعمم إلى كافة الأجهزة الأمنية الى ضرورة التزام منسوبي الأجهزة بما ورد في الوثيقة الدستورية لسنة 2019م ، وأوضح أن قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م عقد سلطة تنفيذ أوامر القبض والتفتيش للشرطة وفق نص المواد (70) و (86/1)، ورهن أن يكون ذلك على ذمة بلاغ جنائي إلا في الحالات التي نص فيها القانون على القبض دون أمر قبض، وأضاف أنه في كل الأحوال فقد عقد القانون سلطة تسليم المتهم للنيابة خلال (24) ساعة وفق مقتضيات المادة (77) من القانون.
واعتبر النائب العام أن أي اعتقال يتم بالمخالفة لأحكام النصوص الواردة أعلاه يعتبر اعتقالاً غير مشروع يعرض منسوبي الجهة للمساءلة القانونية، ويستثني القرار الإجراءات التى تتخذها الأجهزة الأمنية في ما يتعلق بالمخالفات التى يرتكبها منسوبو الأجهزة بالمخالفة لقوانينها الخاصة (قانون القوات المسلحة لسنة 1986م وقانون الدعم السريع 2017م وقانون الشرطة لسنة 2008م وقانون الأمن والمخابرات لسنة 2010م تعديل 2019م).
وأشار النائب العام الى أن الوثيقة الدستورية نصت على أنه في حالة إذا كان هناك طرف مدني فإن التحريات والمحاكمة تخضع للنيابة العامة والمحاكم الجنائية العامة، وفق قانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م.
ويرى المحامي خالد عبد النبي في حديثه لـ (الإنتباهة) أن توجيه النائب العام لكافة الأجهزة الأمنية بمنع القبض على المواطنين المدنيين إلا بواسطة الشرطة والنيابة، أنه نداءات سياسية أكثر من أنها قانونية، لجهة أن الأجهزة الأمنية التي تمت مخاطبتها لديها إدارات قانونية وهي على علم بهذا القانون، وتابع قائلاً: (القانون يفترض علم الكافة به)، وأضاف أن التوجيه ليست لديه أية علاقة بقانون الإجراءات الجنائية لسنة 1991م ولا القوانين المصاحبة له، وقال: (كان على النائب العام أن يصدر إيضاحات أكثر في البيان الذي أصدر فيه التوجيهات يقول فيها إن النيابة عن طريق وكيل النيابة الأعلى في كل محلية لديها الحق بموجب سلطاتها في أي وقت، في تفتيش أي مقر للقوات النظامية الأخرى أو مقر ورد عنه بلاغ للنيابة بأنه يتم فيه اعتقال خارج القانون) .
وقال خالد: (كان يجب على النائب العام أن يخاطب قيادات الأجهزة الأمنية في البلاد لتنوير منسوبيها بأن الاعتقال للمواطنين يتم عبر النيابة العامة فقط، وأن للنيابة الحق في تفتيش أي مقر يتبع للقوات النظامية وفي أي وقت شاءت، وعلى الإدارات القانونية في جميع الأجهزة الأمنية أن تقدم تنويراً لمنسوبيها وتدريبهم بأن اعتقال المواطنين ليس من سلطاتهم ولا يوجد في قوانينهم) .
وأشار خالد إلى أن البلاد في حال انتقال والعالم كله ينظر إليها، وقال: (كلما زادت الانتهاكات لحقوق الإنسان والاعتقالات خارج القانون للمواطنين، يفتح الباب أمام المحكمة الجنائية والمجتمع الدولي لتصنيف البلاد)، وأضاف قائلاً: (مثل هذه الانتهاكات لها انعكاسات قانونية خطرة على البلاد، لجهة أنها عضو في الأمم المتحدة، ولا نريد أن ندور في نفس دائرة البشير ونغير نظرة المجتمع الدولي لنا).
ومن جانبه رهن المحامي هشام صلاح محمد في حديثه لــ (الإنتباهة) توقف ظاهرة الاختفاء القسري للمواطنين بتوعية القوات النظامية منسوبيها بأن الاعتقال ليس من اختصاصهم وهو من اختصاص الشرطة والنيابة فقط، فضلاً عن توعية المواطنين لمعرفة حقوقهم القانونية، وأشار إلى أن توجيه النائب العام لكافة الأجهزة الأمنية بمنع القبض على المواطنين المدنيين إلا بواسطة الشرطة والنيابة، يثبت للمواطن أنه ليس لأية جهة نظامية أخرى خلافهما (الشرطة والنيابة) الحق في القبض عليه، وأكد أن هذا التوجيه موجود ولكن المواطن ليست لديه الثقافة في الاعتراض والتبليغ للنيابة والشرطة عن أية جهة نظامية أخرى اعتقلته.
وانتقد هشام النيابة في عدم تنفيذها حقها القانوني في تفتيش جميع حراسات ومقرات القوات النظامية، وقال إن النيابة تخلت عن حقها وتأخرت كثيراً في انتزاع حق من حقوقها بموجب القانون، ودعا وزارة العدل إلى نشر الثقافة القانونية وتوعية المواطنين بجميع القوانين التي تحفظ لهم حقوقهم، حتى لا يتعرضوا للاختفاء والاعتقال والانتهاكات التي تحدث لحقوقهم من أية جهة نظامية خلاف الشرطة والنيابة.
وشدد هشام على ضرورة توعية المواطنين بأن القوات النظامية خلاف الشرطة والنيابة ليست لديها أية سلطة لاعتقال أي مواطن وإنما هي قوات تعمل على حماية الدولة، وقال إن على القوات النظامية توعية منسوبيها بأنه في حالة اعتقالهم أي مواطن سوف يواجهون عقوبات، وأضاف قائلاً: (يجب على المواطن معرفة ذلك لتقليل ظاهرة الاختفاء القسري للمواطنين)، ونبه إلى أن القوات النظامية لديها الحق في القبض على منسوبها فقط في حالة ارتكابه مخالفة ضد زميله .
وفي غضون ذلك أصدر جهاز المخابرات العامة بياناً توضيحياً أمس الأول، حول ما تناولته بعض وسائل التواصل الاجتماعي عن اعتقال جهاز المخابرات العامة الناشط محمود موسى، وذكرت فيه أن الاعتقال تم بسيارة دفع رباعي (GXR) بدون لوحات.
وأوضح البيان أن الجهاز لا علاقة له بذلك، وأنه يعمل استناداً للمهام الموكلة له، وأنه ملتزم بهذه المهام ويمارس عمله، ويحرص على القيام بواجباته وفق القوانين والتشريعات التي حددت صلاحياته.
ويؤكد الجهاز أنه ليست لديه عربات من هذا النوع، وغير مسموح لمنسوبيه باستخدام أي نوع من العربات بدون لوحات.
المصدر : الانتباهة