لم تكن ليلة أمس الأول في منزل والي غرب دارفور، محمد عبد الله الدومة، كغيرها من الليالى. فقبل أن يغط الرجل في النوم جيداً، عقب إجتماعات مطولة، بشأن الأحداث الدامية التي شهدتها الولاية وتطورات الأوضاع، حتى استيقظ على مقاومة أفراد حراسته، لمجموعة من الأشخاص حاولت التسلل لإغتياله .
خطورة الأمر وتطورات الأوضاع، تثير الكثير من التساؤلات، حول الفجور في الخصومة والكيد السياسي حد محاولات القتل والتنفيذ. وعلى الرغم من أن الساحة السياسية في السودان عرفت عدداً من الإغتيالات والوفيات الغامضة لمسؤوليين، وشخصيات نافذة وناشطة، إلا أن الاستنكار للفعل يظل ديدن الكثير. فالإغتيالات ليست من ثقافة أو عرف العمل السياسي في السودان، بل على العكس فبالنظر إلى واقع المشهد السياسي نجد أن الخصومة حدها العمل السياسي، وما دون ذلك تسامح .
عقب حادثة محاولة إغتيال والي غرب دارفور الثلاثاء الماضي، تستعرض بعض محاولات الإغتيالات التي وقعت على مدار الأعوام الماضية بالبلاد .
سيناريو مسرحي
لم تكن حادثة محاولة إغتيال الدومة هي الأولى من نوعها، في الفترة الإنتقالية، فقد سبقها، محاولة إغتيال فاشلة لرئيس الوزراء عبد الله حمدوك مارس الماضي، وعلى الرغم من ردود الفعل التي صاحبت الواقعة، إلا أن الكثير من المشككين طعنوا في مصداقيتها لإعتبار أنها مسرحية، الغرض منها، في ذلك الوقت إعادة شعبية الرجل، عقب حالة من التدني والتدهور الإقتصادي، بالبلاد. ومازاد فرضية مسرحية المحاولة، هو أن التحقيقات حول الحادثة لم تسفر حتى الآن عن نتائج، رغم الاستعانة بفريق تحقيق دولي، لكن رغم ذلك تظل حادثة تضاف إلى حوادث الإغتيال في السودان .
خصومة سياسية
وهنا يسطر التاريخ السياسي أبشع عمليات الإغتيال. ففي العام ١٩٧٠ وفي عهد الديمقراطية الثانية، شهدت البلاد، أكثر محاولة إغتيال دموية وبشعة، هي محاولة إغتيال الإمام الهادي المهدي، خلال أحداث الجزيرة أبا.
الحادثة وقعت في إطار الصراع بين الأنصار ومايو، عقب تأليب الرأي العام، ضد المايويين، مما أضطر نميري بتوجيه نائبه أبو القاسم محمد إبراهيم بقصف الجزيرة أبا معقل الأنصار بغرض إبادتهم وإغتيال زعيمهم، إلا أن الأنصار أخرجوا الإمام الهادي بصورة دراماتيكية وبأعجوبة، وتم تهربيه نحو إثيوبيا، لكن وفي الطريق على مقربة من الحدود الإثيوبية، تعرض لكمين حكومي أدى لمقتله.
قتل وتمثيل
من أبرز أحداث الإغتيال التي خلدت بالذاكرة، هي حادثة إغتيال الكاتب الصحفي محمد طه محمد، في عام ٢٠٠٦م، عقب إختطافه من قبل مجموعة مجهولة، تمتطي سيارة مظللة وبدون لوحات، من منزله في سبتمر من ذلك العام، ولم يعرف عنه شيء، وعقب رحلة من البحث، تم العثور على جثمانه، اليوم التالي، بحي القادسية بمنطقة الكلاكلة، منحور ومفصول الرأس.
ويعد طه من أكثر الصحافيين إثارةً للجدل في السودان، لديه خلافات مع الكثير من الجهات، وكثيراً ما تعرض لمحاولات الإغتيال والإعتداء، إلى أن تم إغتياله.
وعلى الرغم من توقيف المتهمين في قتله وإعدامهم، بسبب الإنتقام الجهوي، إلا أن القضية ظلت متشابكة، وأن أياد خفية خارجية وراء الفعل. وقد راج وقتها أن أسباب الإغتيال ليست بدعوى الإنتقام الجهوي، وإنما لإمتلاك الشهيد مستندات متعلقة بغسيل أموال لإحدى الجهات، كانت تخشى فضح أمرها.
نهايات غامضة
سيناريو آخر للإغتيال لم يتم فك طلاسمه، حتى الآن، وهو وفاة الراحلين، الزبير محمد صالح، والدكتور جون قرنق. هذه الحوادث، قاسمها المشترك واحد، وهو سقوط الطائرات، بصاحبيها. وعلى الرغم من أن أسباب الوفاة في ظاهرها، طبيعية، لكن باطنها، يكتنفه الغموض.
ففي عام ١٩٩٨م استيقظ السودانيون على خبر سقوط طائرة، تقل النائب الأسبق، للرئيس المعزول، في نهر السوباط، غرقاً. الحديث وقتها دار عن الزبير مات مقتولاً، لإعتبار أنه سباح ماهر، لكنه مات غريقاً، الأمر الذي يعزز فرضية الإغتيال، كما أن التكهنات وقتها مضت في جل الإتجاهات، إلا أنه و رغم مرور أكثر من عشرين عاماً على الوفاة، يظل سببها هو سقوط طائرة تقله، ولم تسفر التحقيقات عن سوى ذلك.
وفاة قرنق في عام ٢٠٠٥م أيضاً أكتنفها الغموض. ففي الثلاثين من يوليو راج حديث عن فقد مروحية تقله متجه نحو يوغندا، لم يتم التأكد بعد، إلى أن فوجيء السودانيون صبيحة اليوم الثاني، الأول من أغسطس على أحداث دامية، وصلت حد القتل وحرق الممتلكات، أعقاب موجة غاضبة من الجنوبيين، بدعوى الثأر لقائدهم، وإتهام الحكومة بقتله. ولم تسفر أيضاً التحقيقات عن هوية الجهة الفاعلة، وما إذا كان قضاءً وقدرا، لكن جميع الفرضيات كانت تقول إن أياد خفية وراء الحدث، بسبب إختياره خيار الوحدة مع الشمال، ومع ذلك تظل أحاديث والحقيقة الماثلة، أن الرجلين توفيا بسرهما.
إغتيال على رؤوس الأشهاد
في أحد صباحات مارس ٢٠١٢م، أنقلبت ضاحية الديوم، على عقبيها، عقب إغتيال الناشطة عوضية عجبنا بطلق ناري أمام منزلها، من قبل شرطة النظام العام.
الإغتيال لم يكن مبرراً، لإعتبار أن إطلاق النار على مدنيين عزل، لا يجوز، أنطلقت المظاهرات وأندلعت الإحتجاجات ولم تهدأ إلا عقب محاكمة المتهمين،كانت عوضية من الكوادر الناشطة في إتحاد المرأة، إسلامية تنتمي لحزب المؤتمر الوطني، تمتاز بشخصية قوية مصادمة، وقد تصدت لأفراد الشرطة وقتها ولكنها كانت لا تحمل إلا المنطق في الدفاع.
عقب ذلك جرت محاكمة المتهمين، في محكمة جنايات الخرطوم شمال، وقضت بإعدام سبعة من أفراد الشرطة بينهم ضابط، بعد مطالبة ذويها بالقصاص.
تصفية جسدية
في عام ٢٠١٢م كانت ولاية جنوب كردفان، على موعد مع حدث إغتيال رئيس المجلس التشريعي بالولاية، إبراهيم بلندية.
بلندية عرف عنه قوة شخصيته و(كارزيمته) العالية، مما أضطر خصومه للغدر به وإغتياله. القوات المسلحة أتهمت الحركة الشعبية بتصفيته ومن معه، وبحسب بيان للجيش، وقتها، فإن بلندية والوفد المرافق له، تمت تصفيتهم، عقب ترؤسه، زيارة تفقدية للموسم الزراعي، أعترضتهم مجموعات مسلحة تتبع للحركة الشعبية وهم عزل في سيارات مدنية بدون حراسة، قامت المجموعات بعملية التصفية الجسدية لهم جميعاً.
الجيش وصف عملية الإغتيال بالسلوك المشين، وفيما كشفت القوات المسلحة عن حقيقة الجناة، إلا أن حديثاً سرياً هنا وهناك، أن الغرض من القتل هو متاجرة الراحل في الذهب، وأن الجاني من أقربائه، لكن يظل مجرد أقاويل والمعتمدة هي الرواية الرسمية الحكومية.
المصدر : الانتباهة