بات في حكم المؤكد أن تتخذ الحكومة قراراً بتغيير العملة عبر البنك المركزي باعتباره صاحب الحق الأصيل في هذا الاجراء، فقد تواترت الأنباء خلال الأيام الماضية عن حسم الحكومة لموقفها الذي شابه التردد في السابق لصالح تغيير العملة، حيث كان مقترح تغيير العملة أحد المطالب الرئيسية ضمن مطالب أخرى ترى اللجنة الاقتصادية لقوى الحرية والتغيير أنها ضرورية ولازمة للاصلاح الاقتصادي ومعالجة الأزمة الاقتصادية المستفحلة، غير أن هذا المقترح جوبه باعتراض من وزير المالية السابق الدكتور ابراهيم البدوي الذي دفع بعدم جدواه، كما عززت هذا الرفض الدكتورة هبة وزيرة المالية الحالية أول تسنمها للمنصب، وأيضا لم تتحمس له الحكومة، ولكن يبدو أن التدهور المريع والمتسارع لقيمة الجنيه السوداني مقابل العملات الأخرى وبالأخص الدولار، هو ما فرض على الممانعين الاقتناع بتغيير العملة، وهكذا أصبحت عملية تغيير العملة مسألة وقت فقط، وبالطبع لن يتم الاعلان لا عن موعد هذا التغيير ولا الكيفية التي يتم بها تنفيذ القرار ولا حتى الجهة التي ستتولى عملية الطباعة، فالمعروف عن قرارات تغيير العملة أنها لا تعلن مسبقاً وانما في لحظة التنفيذ، وأذكر بهذه المناسبة ان النظام البائد وفي احدى المرات التي قرر فيها تغيير العملة، أنه احاط الامر بسرية تامة، وعند اكتمال طباعتها ووصولها البلاد، حملوها ليلاً على شاحنات وخزنوها بمقر منظمة الدعوة الاسلامية (احدى حواضن الاسلاميين) بعد أن كسروا احد حوائط المبنى لتمكين الشاحنات من الدخول..
والسؤال الان بعد ان اضحت عملية تغيير العملة واقعا قيد التنفيذ، هل بالفعل سيحل تغيير العملة عقدة سعر الصرف التي استعصت على الحل، الاجابة عن هذا السؤال تكمن عند طرفين من الخبراء الاقتصاديين ليسوا متضادين تماما، فحتى الطرف الذي لديه مآخذ لتغيير العملة يقر بعدة فوائد لها يشترك فيها مع المؤيدين بشدة لعملية التغيير، غير أنهم لا يرون جدوى في تغيير العملة ان لم يصاحب ذلك أو تسبقه جملة من الترتيبات، وبرأي هؤلاء أن تغيير العملة في حد ذاته لا يحل أي مشكلة، ما لم يكن مصحوبا بتغيير جذري في الأطر الفنية والقانونية للسياسة المالية والسياسة النقدية وقانون بنك السودان وكامل الإطار القانوني الذي يحكم العملية الاقتصادية، ولتحقيق ذلك يطالبون بالعودة الِي قانون بنك السودان القديم الذي يقيد الاقتراض الحكومي من البنك المركزي وذلك فقط بهدف معالجة اثر موسمية الإيرادات، وحين تبلغ استدانة الحكومة حدها الأعلى يمنعها القانون من الحصول على قرش واحد قبل أن تسدد ما تراكم من الديون. ويضيفون بأن المتطلبات المسبقة لعملية تغيير عملة ناجحة، صعبة فنيا وقانونيا وسياسيا في ظل الحكومة القائمة الآن، لأنها برأيهم لا تملك المهارات المطلوبة ولا الإرادة السياسية ولا القدرة على التنفيذ الفعال اللازم لعملة ناجحة، ولهذا يعتبرون الاقدام على تغيير العملة دون الوفاء بهذه المتطلبات قفزة في الظلام ومغامرة غير محسوبة..فهل يا ترى تحسبت الحكومة لهذه المخاطر وأخذتها في الحسبان.
***********
صحيفة الجريدة