طرح وزارة العدل قانون مفوضية مكافحة الفساد للنقاش، ربما يأتي في سياق المحاولة لوضع نهاية للجنة إزالة التمكين التي دار الجدل حولها أخيراً، سيما في طريقة عملها في فساد النظام السابق،
فهناك جملة من المآخذ على عمل اللجنة، خلال الفترة التي أمضتها تنقيباً في أضابير فساد الإنقاذ، وهو ما يطرح الأسئلة حول هل يمكن أن تكون المفوضية حال تكوينها بديلاً للجنة التفكيك؟ وما هو شكل العلاقة بينهما؟
بالطبع نصت الوثيقة الدستورية على قيام مفوضية للفساد ضمن جملة من المفوضيات التي أنشئ بعضها ولم ينشأ الآخر، فالوثيقة قالت: (تنشأ مفوضيات مستقلة وترشح لها شخصيات من الخبراء مشهود لهم بالكفاءة والنزاهة، وتشكل وتحدد اختصاصاتها وفق القوانين التي تنشئها، ويشترط في المرشح لعضوية المفوضيات التأهيل العلمي والخبرة العملية في المجال المعني، عدم تولي مناصب سيادية أو دستورية خلال فترة حكم الثلاثين من يونيو 1989م والحيادية والنزاهة والكفاءة والاستقلالية المهنية). غير أن الشاهد أن الحكومة الانتقالية استعاضت عن المفوضية المشار إليها في الوثيقة بلجنة التفكيك التي شرع لها قانون خاص وأصبحت بموجبه تمارس عملها، وطيلة الفترة الماضية كان الحديث المنتقد للجنة يصدر عن منسوبي النظام السابق فقط الذين يواجهون هذه اللجنة لكونها خصصت للنيل منهم، وفضلاً عن انتقادات صدرت عن أحزاب كانت مشاركة في الحكومة السابقة وبعض من أحزاب قوى الحرية والتغيير خاصة حزب الأمة القومي الذي كانت لديه آراء حول طريقة عمل اللجنة، وكان أبرز ما قاله اللواء فضل الله برمة رئيس الحزب في وقت سابق لـ (الإنتباهة) إنهم ضد فصل الناس من المؤسسات العامة أو أخذ أموال الناس دون قضاء، واعتبر وقتها أن القضية ستصبح موقع ظلم، ولكن يبدو أن الدافع الحقيقي الذي يجعل الحكومة الانتقالية ووزارة العدل تشرعان فعلياً في إعداد قانون المفوضية، هي الآراء التي صدرت عن قيادات الحركات المسلحة (شركاء السلام)، وبالطبع أبرز ما قيل في ذلك صدر عن رئيس حركة العدل والمساواة د. جبريل إبراهيم الذي جاهر برأيه قبل أن يوقع على اتفاق السلام، فالرجل أعلن رفضه التشهير في الإعلام والأخذ بوضع اليد دون إجراء قضائي عادل، وبحسب جبريل أن لجنة التفكيك جمعت كل السلطات (الشرطة والنيابة العامة والقضاء والاستئناف)، الأمر الذي فيه إخلال بالعدالة تماماً، وطرح جبريل في كل تصريحاته أهمية قيام مفوضية لمحاربة الفساد، مهمتها جمع المعلومات بصورة كافية، وتقديم هذه المعلومات إلى القضاء لتحاكم الأطراف المجرمة. ويقول المحامي ساطع الحاج في حديث لـ (الإنتباهة) إن هناك آراءً مطروحة من ضمنها أن تكون لجنة إزالة التمكين جزءاً من المفوضية التي يُعتزم تكوينها، إلا أن ساطع أكد أنه لا يملك المعلومات الكافية في هذا الجانب، لكونه لم يكن جزءاً من الحوار الذي دار في وزارة العدل حول الأمر، غير أن وزير العدل خلال كلمته في افتتاح الورشة، شدد على ضرورة أن تُحظى مفوضية مكافحة الفساد بصلاحيات رقابية واستقلالية، وألا تُخضع لأية جهة تنفيذية في جهاز الدولة، وقال عبد الباري (إن الحكومة خلال الفترة الانتقالية معنية بمحاربة الفساد، وقامت بدور كبير ومهم عبر لجنة تفكيك النظام واسترداد المال المنهوب التي قامت بتفكيك جانب من النظام واستردت جُزءاً مُقدّراً من المال المنهوب)، يقول المحامي هاشم الجعلي عضو هيئة الدفاع عن المتهمين من رموز النظام السابق لـ (الإنتباهة) إن العيب ليس في لجنة التفكيك وممارستها وإنما العيب في القانون، لأن القانون أصبح في يد اللجنة بأن تكون الفصل والحكم والقاضي والنيابة، وأنها تعتقل وتصادر الممتلكات وتقضي في الأمر برمته. وأضاف الجعلي قائلاً: (بصراحة وبكل وضوح نرى أن كل المؤسسات التي تقوم في غياب المحكمة الدستورية وغياب ضمانات قضائية قوية جداً تقع بالمخالفة لقواعد الأصولية في تحقيق العدالة)، ونوّه بأن المفوضية إذا قامت بموجب قانون تمت فيه مراعاة كل الأسس الحقوقية في ما يتعلق بحقوق المتهمين والمشتبه فيهم وإتاحة الفرصة أمام القضاء، مؤكد هي خطوة نحو الأفضل، فيما يقول عادل سليمان الناشط والقانوني لـ (الإنتباهة) إنه من الأفضل للحكومة أن تعتمد في عملية محاربة الفساد على مفوضية بدلاً من لجنة إزالة التمكين، وأضاف قائلاً: (اللجنة قامت بدورها ما فيه الكفاية، لكنها يجب أن تكون تحت المفوضية خلال الفترة المقبلة، ويحدد دورها بتحويل ملفات الفساد إلى المفوضية التي بدورها ينبغي أن تضعها أمام القضاء، وتتيح فرصة كافية للمتهمين للدفاع عن أنفسهم)، وأشار عادل إلى أن الانتقادات التي توجهها قيادات شركاء السلام للجنة إزالة التمكين ستحد من قدرتها خلال الفترة المقبلة، لأن هؤلاء سيصبحون جزءاً من الحكومة وسيتسنمون مواقع ربما لديها صلة مباشرة باللجنة، وأضاف قائلاً: (لذلك إذا أرادت الحكومة المضي قدماً في تنفيذ برنامج مكافحة الفساد، عليها أن تقنن الأمر بطريقة يتفق عليها الجميع بعيداً عما يجري الآن).
المصدر : الانتباهة