تحقيقات وتقارير

التوقيع على إتفاقيات إبراهام.. تأسيس حقبة والثمن ضئيل

وقع السودان والولايات المتحدة الأمريكية أمس على إعلان «اتفاقيات إبراهام»، حيث مثّلَ الجانب السوداني، وزير العدل، نصر الدين عبد الباري، فيما وقع عن الجانب الأمريكي وزير الخزانة الأمريكية ستيفن منوشين.
وسبق وأن أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ٢٣ أكتوبر الماضي عن موافقة السودان على التطبيع مع اسرائيل والتوقيع على الإتفاق الإبراهيمي وذلك بعد مكالمة رباعية جمعت بينه ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس مجلس السيادة الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان ورئيس الوزراء عبدالله حمدوك.

وقال بيان صادر من مجلس الوزراء أمس إن الإتفاق الذي تم توقيعه بالخرطوم ينص على ضرورة ترسيخ معاني التسامح والحوار والتعايش بين مختلف الشعوب والأديان بمنطقة الشرق الأوسط والعالم، بما يخدم تعزيز ثقافة السلام.
في خضم ذلك، أوضحت بنود الإعلان أن أفضل الطُرُق للوصول لسلام مستدام بالمنطقة والعالم تكون من خلال التعاون المشترك والحوار بين الدول لتطوير جودة المعيشة وأن ينعم مواطنو المنطقة بحياة تتسم بالأمل والكرامة دون إعتبار للتمييز على أي أساس، عرقي أو ديني أو غيره.
وبالإشارة إلى الوقت الذي وقعت فيه الإمارات في ١٥ سبتمبر ٢٠٢٠م على هذا الإعلان تحت عنوان « إتفاقية السلام والعلاقات الدبلوماسية والتطبيع الكامل بين دولة الإمارات وإسرائيل» ، إختارت البحرين أن توقع تحت عنوان « إعلان السلام والتعاون والعلاقات الدبلوماسية الصديقة والبناءة» ولكن حسب البيان الصادر من مجلس الوزراء أن السودان إختار التوقيع على هذا الإعلان على طريقة دوله البحرين التي تنص على السلام والتسامح والتعاون بدلاً من إعلان التطبيع الكامل كما نصت عليه الإتفاقية مع الإمارات.
في تحليل سابق، كشفت صحيفة (هارتز) الإسرائيلية أن التوقيع على الإعلان يشتمل على بيان عام والتعبير عن النوايا الحسنة ويتضمن الإشارة إلى ثلاث من الوثائق تشتمل على تعهدات بدعم السلام العالمي. وفي إطار ردود الفعل السابقة على هذا الإعلان رحبت معظم الدول الأوروبية والعربية بتطبيع العلاقات بين السودان وإسرائيل وإنتقدت كل من إيران وفلسطين قرار السودان للتطبيع، وقال حينها وزير الخارجيه الإيراني إن قرار التطبيع عبارة عن فدية دفعها السودان للخروج من قائمة الدول الراعية للإرهاب، في الوقت الذي أدان فيه الرئيس الفلسطيني قرار التطبيع وأعتبره مخالفاً لقرار القمة العربية الذي ربط بين التطبيع الجماعي والإعتراف بدولة فلسطين على حدود 1967م .
ومنذ إعلان التطبيع في ٢٣ أكتوبر وحتى زيارة وزير الخزانة الأمريكي أمس، تمت كثير من الزيارات من الوفود الإسرائيلية والأمريكية للسودان للإتفاق على تفاصيل التطبيع، وأعلن الجانب الإسرائيلي أن التعاون سيشمل إعادة اللاجئين السودانيين في إسرائيل والتعاون في مجال الزراعة وادارة تكنلوجيا المياه والاستثمار المتبادل.
حديث وزير الدولة بالخارجية عمر قمر الدين الذي قال فيه إن (١٠٠) مسؤول أمريكي زاروا السودان خلال العام المنصرم ٢٠٢٠م ينبئ أن بهذا التوقيع إكتملت الصفقة السياسية بين الخرطوم وواشنطون وتل أبيب وهي التطبيع مقابل إزالة اسم السودان من القائمة واستعادة الحصانة السيادية.
وخصصت واشنطون أكثر من مليار دولار للسودان خلال العام الحالي ٧٠٠ مليار دولار منها لدعم الأسر الفقيرة في إطار برنامج رفع الدعم من السلع والخدمات و١٣٠ مليون دولار عبار عن القرض الجسري لتسديد متأخرات البنك الدولي.
ويقول مراقبون تحدثوا لـ(الإنتباهة) إن الدعم الأمريكي لن يحل مشكلة السودان الإقتصادية إذ يحتاج السودان إلى ٦مليارات دولار لإنفاذ حزمة سياسات رفع الدعم مما يزيد من الأزمة الإقتصادية الراهنة، وبالتالي فإن تعليق حل مشاكل السودان وربطه بالتطبيع مع اسرائيل لا يعدو أن يكون مجرد مزايدة سياسية مما يعقد الأمور أكثر أن السودان سيصبح جزءاً من شبكة السياسات الأمنية في المنطقة خاصة محاربة الإرهاب وإحتواء إيران ومواصلة حرب اليمن، وان تطبيع العلاقات مع السودان ضمن بقية الدول العربية سيفيد نتنياهو في معركته السياسية داخل إسرائيل كما سيفتح هذا الإتفاق فرصاً إقتصادية كبيرة لشركات الحزب الجمهوري في أمريكا على رأسها الإمبراطورية الرأسمالية لترامب وصهره كوشنير خاصة عقود الإنشاءات والتبادل التجاري وتكنولوجيا الأمن والمعلومات وبالتالي فإن تطبيع العلاقات مع إسرائيل سيزيد من إنقسام الجبهة السياسية داخل السودان ويزيد من حدة الاستقطاب لكنه في ذات الوقت سيخلق من المجموعة الحاكمة على رأسها رئيس الوزراء حليفاً قوياً للولايات المتحدة وإسرائيل ودول التطبيع العربية في المنطقة لكن رغم ذلك فإنه دون توفير مساعدات مالية عاجلة للوفاء بمتطلبات البرنامج الإقتصادي وفاتورة السلام، فإن هذا العام ربما يشهد إضطرابات إجتماعية واسعة رغم شعارات التطبيع مع اسرائيل والمجتمع الدولي.
مع ذلك، أبدى محللون تساؤلات.. وهي: لماذا لم تتم هذه الخطوة بمشاركة فرقاء السلام العائدين وفق سلام جوبا وتكوين المجلس التشريعي مما يشير إلى أن التطبيع أريد به أن يكون فعلاً سياسياً كاملاً وإنجازاً يحسب لقوى الحرية والتغيير وحكومتها ورئيس وزرائها هذا مع العلم إن الفاعل الأساسي الذي قاد التفاوض وأعطى الموافقة السياسية هو رئيس المجلس السيادي عبدالفتاح البرهان الذي ترك إعلان التطبيع والإحتفاء به للمكون المدني برئاسة حمدوك الذي كان لوقت قريب يتنكر لعملية التطبيع في الوقت الذي كانت صلاته ممتدة تحت الطاولة مع تل أبيب وواشنطون.
في نفس الإتجاه يزيح مختص في العلاقات الدولية لـ(الإنتباهة) أن السودان بهذه الخطوة قد أعلن التطبيع الكامل مع إسرائيل رغم أن بيان مجلس الوزراء جاء خجولاً عن ذكر كلمة التطبيع مع اسرائيل وأن ما تم يعتبر مخالفاً لما أعلنه رئيس الوزراء عبدالله حمدوك وهو أن قضية التطبيع سيقرر فيها المجلس التشريعي.
من تلك الناحية، إنتقد المحللون أسباب عدم وضوح الحكومة في تسمية الأشياء بمسمياتها الحقيقية، كما استغربوا أن يتم التوقيع على خلفية السفارة الأمريكية وليس شعار واسم مجلس الوزراء وشعار الدولة الرسمي.
من ناحية أخري أكمل وزير المالية الأمريكي جولته الإقليمية ووضع اللبنات الأخيرة للتطبيع بين إسرائيل والدول العربية قبل نهاية فترة الرئيس ترامب مما يجعل التراجع عنها مستحيلاً بعد تسلم بايدن مقاليد الرئاسة في واشنطون، وربط محللون بين قمة استعادة الوحدة الخليجية والتطبيع مع قطر وبين جولة المسؤولين الأمريكيين في المنطقة لإنفاذ خطة ترامب لإحتواء إيران ووضع إسرائيل في قلب الشرق الأوسط الجديد. في ذات السياق وقع السودان والولايات المتحدة الأمريكية أمس أيضاً مذكرة تفاهم بخصوص القرض التجسيري الذي ستقوم الولايات المتحدة الأمريكية بموجبه بسداد جزء من متأخرات السودان لمجموعة البنك الدولي، مما يُمكن البلاد أخيراً من الوصول لمصادر تمويل تصل قيمتها لمليار ونصف المليار دولار سنوياً، وهي موارد تدفع بإقتصاد البلاد وتعين الحكومة على تنفيذ مشروعات البُنى التحتية والتنمية المختلفة، في وقت تدخل فيه بلادنا لفسحات السلام، ووقع عن حكومة السودان وزيرة المالية والتخطيط الإقتصادي المكلفة هبة محمد علي فيما وقع عن الولايات المتحدة الأمريكية وزير الخزانة الأمريكي ستيفن منوشين.

المصدر : الانتباهة

تعليقات الفيسبوك

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى