يواجه القطاع الصحي مشاكل وتحديات عديدة ظلت عائقاً أمام توفير الخدمات العلاجية المطلوبة للمواطنين، وازدادت هذه المشاكل سوءاً وتعقيداً خاصة خلال الفترة الأخيرة ومنذ العام الماضي .
وقد بدا ذلك جلياً في ظهور العديد من الأزمات من انعدام للدواء وتفش لبعض الأوبئة والأمراض في ظل ضعف النظام الصحي وتهالكه . وقد كان من أبرز هذه التحديات مشكلة شح الدواء وانعدامه في الصيدليات إلا ان الحكومة مؤخراً وفرت مبلغ 60 مليون دولار لصالح استيراد الأدوية ، بجانب مشاكل المستشفيات الحكومية وإغلاقها إبان ظهور جائحة كوفيد -١٩، في جولتها الأولى الامر الذي ادى الى حدوث مضاعفات لكثير من المرضى أدت الى وفيات لأعداد كبيرة خاصة ذوي الأمراض المزمنة ، ما اعتبره البعض في ذاك الوقت ناتجاً عن قرارات وصفت بالخاطئة افضت الى إغلاق المستشفيات الامر الذي انعكس سلباً على المواطنين في رحلة البحث عن العلاج والدواء .
سوء إدارة
ويقول الكاتب والمحلل الاستراتيجي د.محمد نقد الله لقد ظل النظام الصحي يعاني ولفترة طويلة من سوء الإدارة وضعف التمويل والمتابعة والإشراف، ورغم محاولات إنزال توصيات مقررات (Alma Ata) للرعاية الصحية الأساسية و تفعيل برنامج النظام الصحي المحلي إلا أن حالة الفساد السياسي والتوجه الرسمي نحو التمكين بالقطاع العام ، وخصخصة و تسليع الصحة للنافذين بنظام الإنقاذ وقف عائقاً أمام تشغيل النظام مما أدى لسلسلة من الإخفاقات على مستوى النتائج على أرض الواقع،
وانسحب ذلك على الأداء الصحي بالمستويين الثاني والثالث بالمستشفيات ، رغم التوسع بالبناء والتشييد الذي أقام عددا من المراكز الصحية والمستشفيات دون بنية تحتية صحيحة كالصرف الصحي أو استقرار إمداد كهربائي مستغل لأغراض سياسية بحتة و كمصدر آخر لتسريب المال العام من خلال صفقات وممارسات مشبوهة، فإن إهمال الكادر البشري والدراسة العلمية للحاجة الحقيقية جعل منها أقرب لمشارح يدلف إليها المواطنون لتوافيهم المنية ،و لولا إصرار كثير من الكوادر الطبية الحادبة على أرواح المواطنين و المجهودات التي قامت بها عدد من منظمات المجتمع المدني لاختفى ما يسمى القطاع الصحي العام وتحول لمركز تحصيل آخر .
أولويات الفترة الانتقالية
وقال نقد الله ان القائمة تطول في ما ورثناه من النظام البائد، وكان السؤال ما هي أوليات الفترة الانتقالية بالقطاع الصحي؟
إن اول التحديات كان إعادة صياغة السياسات الصحية وتفكيك التمكين ، وقد بذل في ذلك عدد مقدر من الاجتماعات و ورش العمل التي شاركت بها كل الأجسام الصحية والخبرات ذات الصلة في العالم خلال العام 2019م، وبدأت خطوات خجولة في تفكيك التمكين ،
ووضعت خطة إسعافية للصحة ، كل تلك المجهودات للأسف لم تبرح أن تجهض بتعاون غير متعمد بين بقايا النظام البائد و الذين يعرفون بالدولة العميقة وبين صراعات سياسية لمحسوبين على بعض شركاء الحكم الحاليين .
وقد كانت جائحة كورونا الأولى محك الإاختبار الفاصل الذي كشف عورة نظامنا الصحي المتهالك إثر معاول الإنقاذ ، لولا المجهود الجماعي للشعب السوداني مع كوادر الصحة في التوعية والتعقيم و الإمداد لكان حدث ما لا تحمد عقباه .
جرد حساب
وأوضح د. محمد وبجرد حساب بسيط للعامين 2019م-2020م نجد أن هناك تراجعا على مستوى الرعاية الصحية الأولية وخدمة الطوارئ والحوادث وذلك يعود لإحجام الكوادر الطبية التي استهلكت بالعمل الطوعي و الإنفاق غير العادل من القليل الوارد على مستويات ومجالات الخدمة الصحية حيث وقع القائمون على الأمر في فخ التركيز على خدمات الفئة الثانية والثالثة العلاجية دون الوقائية أو الأولية والتعزيزية ، كما أن تجربة الاعتماد على كوادر من خارج الخدمة المدنية العامة لتسيير الوظائف التنفيذية للصحة احدث خللا كبيرا في منظومة الأعمال القليلة الروتينية التي كانت تؤدى بشكل مقبول .
كما أن سياسات التفكيك المتبعة قادت لأشكال جديدة من التمكين لأنها لم تراع عنصري الخبرة والكفاءة ومنهجية التوظيف العادل بالخدمة المدنية .
إعادة نظر
لابد من إعادة النظر في عمليات التوظيف و التعيين التي تمت ما بعد الثورة ،ولابد من إقامة مجلس للصحة العامة يرعى تحقيق النظام الصحي المحلي قولاً وفعلاً ، والأهم لابد من وضع سياسات واضحة لتحقيق الرضاء الوظيفي والاستبقاء للكوادر الصحية والعاملة بالصحة التي بدأت مجدداً في موسم آخر للهجرة، وذلك حرصاً على تقديم خدمة طبية تليق بكرامة وإنسانية المواطن السوداني.
أوراق علمية
وأشار نقد الله الى تقديم أوراق علمية جيدة في هذا مجال الصحة من عدد من المبادرات كمجموعة الخبراء الاستشارية والصحة في كل المجالات مصفوفة السودان الجديد الصحية وغيرها.
إن حرية سلام وعدالة شعارات الثورة السودانية بحاجة لأن تطبع في وجدان كل مواطن وفي مخيلة صانعي القرار قبل المستفيدين منه. ولكن هناك ضوءا في نهاية النفق يحمله أبناء هذا الوطن.
وضع مأساوي
ويشير استشاري التخدير د. سيد قنات الى ان الحكومة الانتقالية ورثت وضعا صحيا مأسويا ربما ممنهج من النظام السابق بغرض خصخصة الصحة في نهاية المطاف وخروج الدولة نهائيا من تقديم خدمات صحية للمواطن لذلك أصبحت الخدمات شحيحة واتجه المواطن للقطاع الخاص لافتا الى ان الحكومة الانتقالية حاولت ان تجد طريقا من أجل وضع حلول لاشكاليات النظام الصحي ولكن ووجهت الصحة في بداية العهد الديمقراطي ببعض الاوبئة المتمثلة في الكوليرا والحميات النزفية والكورونا مما افقد الصحة كثيرا من مواردها المادية والبشرية فاضطرب ميزان تقديم الخدمات الصحية وبدأ المواطن يشعر بانها دون الطموح.
خطة عاجلة
وأكدت مصادر طبية فضلت حجب اسمها ان القطاع الصحي شهد خلال العام الماضي إصابات ووفيات بوباء الكوليرا في عدد من الولايات وكان أكثرها تضررا ولاية النيل الأبيض ثم الحميات النزفية في الشمالية وبعض ولايات دارفور وكانت الملاريا ايضا من الامراض التي وصلت اصابتها حد الوباء ومن بعد ذلك الوباء العالمي كورونا كل ذلك في ظل وجود نظام صحي متهالك وكل تلك الأوبئة حدثت مع تشكيل الحكومة الانتقالية وما زالت مستمرة فكان التركيز على مكافحة الاوبئة وتوجيه الميزانيات اليها مما أحداث خللا في المستشفيات فكثير منها أصبحت عاجزة عن تقديم الخدمة لذلك لابد من وضع خطة عاجلة تعمل على إعادة تشغيل كافة المستشفيات والمراكز الصحية لأقصى طاقة ممكنة والعمل على تهيئة بيئة عمل صالحة للكوادر الصحية وأن تكون هذه المشافي مكانا يليق بآدمية المواطن البسيط وذلك بإعداد خطة للكوارث والطوارئ والاستعانة بالخبراء من أبناء السودان في المهجر فهم كثر ولا يمانعون في تقديم يد العون متى ما طلب منهم ذلك ويجب الاهتمام بتعيين وتوظيف الكوادر الصحية عبر وظائف الخدمة المدنية وتحسين أوضاعهم حتى لا ينكشف ظهر الوزارة في أقرب طارئ كما حدث في جائحة كورونا ،معظم الكوادر المشغلة للمستشفيات بدون وظائف،فضلاً عن الاهتمام بالتدريب وتدريب جميع طواقم الوزارة والوزارات الولائية وتنويرهم بالخطة قصيرة الأمد وكيفية تنفيذها والتطوير المستمر لها حتى تكون مواكبة وترضي تطلعات المواطن وعلى الوزارة الاتحادية أن تمسك بزمام الأمور وأن تعي أن دورها الأساسي هو التخطيط ووضع الإستراتيجيات التي من شأنها الارتقاء بالوضع الصحي في السودان ،وأن على وزارات الصحة الولائية تنفيذ هذه الإستراتيجيات القومية ومتابعتها ومن ثم تنفيذ اي إستراتيجيات اخرى ترى الولاية أن من شأنها الارتقاء بالخدمات والاهتمام الكبير بإعادة المستشفيات الحكومية لسيرتها الأولى وأن تكون هي الخيار الأفضل لدى المواطن والعمل على ترقية الخدمات المقدمة عبر المراكز الصحية الأساسية والتي يمكن أن تقلل كثيرا من الضغط على المستشفيات على أن يحدد مستوى معين من الخدمة يمكن أن يقدم عبرها واشراك التأمين الصحي بصورة فاعلة في كل سياسات الصحة وتعزيز الصحة.
مدن طبية
ولفتت المصادر الى ضرورة عمل مدن طبية تخصصية في كل ولاية على أن تكون مرجعية للولاية وأن تعمل على توطين الخدمة العلاجية الى جانب إعادة النظر وبصورة فاعلة في إدارة مستشفيات القطاع الخاص ووضع سياسة واضحة تحدد متطلبات يجب استيفاؤها وأن تقوم الوزارة بدعم القطاع الخاص بعد تنقيته ليكون رافدا معينا للوزارة وألا ينظر للقطاع الخاص بأنه قطاع ربحي فقط ..
المصدر : الانتباهة