القيادي بتجمع المهنيين يوسف محمد المصطفى : كنا على قناعة بسقوط النظام وقد خططنا أولا للاعتصام أمام القصر الجمهوري ولكن..
لم يكن يعلم وهو يقود بادرة تجمع أساتذة الجامعات للمطالبة بحقوقهم في رفع الأجور وتحسين مستوى بيئة العمل، أن مجريات الأحداث ستأخذ منحى آخر تعلو معه سقف المطالب بسقوط النظام
برز د. يوسف محمد المصطفى القيادي بالحركة الشعبية قطاع الشمال كرئيس فعلي لتجمع المهنيين لأول مرة عقب سقوط النظام وعلى الرغم من نفيه تلك الصفة لاعتبارات أن التجمع ليس له قيادة محددة وأن هيكلته أفقية إلا أنه رسخ في الأذهان بذلك، قبل أن ينزوي عن المشهد تماماً ويعود إلى عمله جوار عبدالعزيز الحلو يجرد حساباته في قيادة التجمع ومآلات الأوضاع التي صار إليها حال البلاد بقيادتهم في ديسمبر ٢٠١٨م قطاعاً عريضاً من الشعب السوداني للخروج وفي هذا المنعطف التاريخي الذي تمر به البلاد ومع تزامن الذكرى الثانية من عمر ثورة ديسمبر المجيدة كان لا بد من الجلوس إلى د. محمد يوسف ليميط اللثام عن حقائق غائبة لدى الكثيرين، فحكى ولم يترك شيئاً مؤكداً أنه لا بد من إخراج الحقائق الغائبة
كيف بدأت فكرة تجمع المهنيين ومن ثم إعلان قوى الحرية والتغيير؟ ما هو أصل الحكاية ولماذا تم تغيير مقر الاعتصام من القصر الجمهوري إلى القيادة العامة؟ ما هي مصادر تمويل الاعتصام؟ وكيف كانت تضع الجداول الزمنية للمواكب وما هي لجان الظل التي كانت تدير العمل وهم داخل المعتقلات؟ لماذا تدنت روح المحققين في المعتقل معهم؟ وحقيقة أن تجمع المهنيين صنيعة قوش؟ عدد من المحاور والإجابات تجدونها في سياق التالي :
] في ذكرى ثورة ديسمبر الثانية (جرد حساب)؟
– نحن لم نكن نتوقع أن نتيجة تضحيات عدد كبير من السنين سيما الستة أشهر الأولى من عمر الثورة وفقد الشباب أن نصل لهذه النتيجة البائسة
] الكثيرون نادمون على الانجراف وراء تجمع مجهول؟
– لم يكن تجمع المهنيين مجهولاً، هذا أمر أثارته الحكومة وقتها لإخافة الناس. كان موجوداً وأنا كنت أخرج وأتحدث للفضائيات عقب ضغوط منها لمعرفة من وراء التجمع ومن يكون.
] كيف بدأت الحكاية؟
– الحكاية بدأت في العام ٢٠١٣م عندما شاركت أجسام واسعة من المهنيين في هبة سبتمبر احتجاجاً على رفع الدعم وقتذاك، وعقب الهزيمة والعنف الذي تعاملت به الدولة معهم، بدأنا نحن على الأقل وسط المهنيين بالتفكير بطريقة خارج الصندوق.
] كيف؟
– بدأنا بقضايا الناس المباشرة التي تعبر عن دواخلهم وانطلقنا من الاحتجاج الموجود على ضيق المعيشة والمصحوب بالتجاوز التام للدولة فبدأنا بقضية الأجور، التي كانت لا تكفي تكلفة المعيشة وقتها، لأن الأجور الفعلية التي كان يتحصل عليها المواطن وقتها أقل بكثير جداً من التكلفة الفعلية لحياته وأعني بالتكلفة الحقيقية هي الحدود الدنيا فقط أي (أكل- سكن – شراب مواصلات) دون أي شيء آخر بالمعايير والمقاييس التي كانت موجودة، ولذلك رأينا التركيز على شيء يقوم بتعبئة الناس ويجعلهم ينتبهوا، ونحن كنا في التجمع أساتذة الجامعات كان الهدف هو أن نبين ونثبت للناس بالدليل القاطع أن الحكومة عاجزة عن حل المشكلة وبالتالي يصبح من السهل قيادة الناس لأن العيب ليس فينا ولكن المشكلة في أن النظام الذي كان موجوداً بطبيعة مصالحه ارتباطاته وانحيازاته غير قادر وراغب في حل المشكلة وليس لديه أي رد للناس غير العنف والضرب وبالتالي يصل الناس لنتيجة إزالته.
] من هذا المنطلق كانت البداية؟
– نعم.. تجمع الأساتذة كان مكوناً من قبل ٢٠١٣ م بعد ذلك بدأنا الاتصال بغيرنا من المهنيين مثل ( تحالف المحامين – بياطرة -صحفيين – لجنة المعلمين – مبادرة المهندسين لاستعادة النقابة الشرعية للأطباء) وهذه الأجسام كانت هي الأجسام الأساسية التي كانت تعمل معنا.
] من أين جاء اسم تجمع المهنيين؟
– هو اسم طرحناه كأساتذة جامعات وهو الذي غلب واستطعنا بناءه على أساس قضايا المهنيين الثلاث، وهي قضية الأجور ـ بيئة العمل ـ البيئة كانت متدنية جداً كل المعينات التي كانت تمكن الأستاذ الجامعي من أداء عمله كانت منهارة وعلى كل المهن قس، ولذلك كانت مهمتنا هي المطالبة بهذه الحقوق ونحن كنا على يقين بأن الدولة في ذلك الوقت لم تكن راغبة أو متحمسة أن تصلح البيئة، بل بالعكس البرنامج المعلن كان هو تدمير بيئة العمل سواءً كان المستشفيات أو البنية التحتية للقطاع الصحي وكذلك المدارس والجامعات وكل البنيات التحتية قامت بتدميرها، كنا نعلم أنها ستقاوم ولن تعمل على إصلاحها، وبدأنا العمل وفي العام ٢٠١٦م استكمل بناء التجمع وفي ٢٠١٨ كرسنا عملنا لوضع دراسات فعلية تفصيلية تختص بالأجور والنقابات وبيئة العمل.
] هذا كله في إطار قضايا ومطالب محددة، فمن من أين استمديتم القوة لقيادة رأي عام بأكمله، وأنتم كتجمع يمكن وصفكم بالأقلية من ناحية العدد مقارنة بالشعب السوداني؟
– كنا أمام اختبار محدد هو كيف يكون كلامنا مؤسساً ومقنعاً ومدعوماً لبقية الشعب لأننا نعلم أننا كفئات مهنية أقلية بالنسبة للشعب السوداني، وإذا أنت عايز الشعب يتعاون معاك ويقتنع بك فلا بد أن يكون حديثك مقنعاً، فلذلك أول شيء قمنا به في منتصف نوفمبر 2018 م عقد مؤتمر صحفي عن الأجور وتحدثت أنا ودكتور محمد ناجي الأصم وقمنا بشرح رؤيتنا وهذا أول ظهور لنا.
] لكن رغم ذلك لم تكونوا معروفين بالقدر الذي صرتم عليه لاحقاً؟
– نعم ولم نكتف بذلك، فقمنا بتسليم رسالتنا لوزير العمل وذهبنا البرلمان وتحدثنا مع النواب وتم طرح الفكرة، بالإضافة إلى ذلك قمنا بتسليم مذكرتنا إلى منظمة العمل بجنيف وللوحدة النقابية بغانا للعمال الأفارقة واتحاد العمال العرب ولمنظمة العمل العربية .
] أدوات ضغط على الحكومة؟
– نعم رأينا أن نضغط لأن رسالتنا وجدت رواجاً لأن كثيراً من النواب وافقونا، وأكثر ما شجعنا هو أن عديد من المهنيين حتى من المهن غير الممثلة معنا أبدوا رغبتهم في التعاون معنا، فاستقر الرأي أننا يجب مخاطبة الحكومة في ضرورة تنفيذ مقترح رفع الحد الأدنى للأجور من 475 جنيهاً ألى 8664 جنيهاً، وكانت الخطة مسيرة صامتة ووقفة اجتجاجية يعقبها اعتصام بالمجلس الوطني ونقدم المذكرة، ودعونا لهذه الدعوة وقبل أن نقوم بتنفيذها انفجرت الأحداث والمظاهرات في عدد من الولايات في مظاهرات عفوية، فقمنا بتحويل الخطة.
] كيف؟
– رأينا انه من غير الممكن أن يطالب الشعب باسقاط النظام ونحن نتحدث عن الأجور، وأن الناس لديها قناعة تامة بضرورة رحيل الحكومة، وقلنا لأنه لا يوجد أي طريق لتنفيذ مطالبنا والنظام قائم بعد، فقمنا بتغيير العريضة التي كان يفترض تسليمها للمجلس الوطني في نهاية الأسبوع الأول من ديسمبر وأبدلناها بمطالب تنحي الرئيس وحل الحكومة ورأينا أن الموكب بدلاً من أن يذهب إلى المجلس الوطني يذهب إلى القصر، وقمنا بإعلان هذا الأمر وأخترنا يوم 19 وكنا في الميعاد، بعد ذلك قمنا بعمل جداول للتصعيد.
] خدمتكم الظروف ورأيتم القيام بتنظيم الناس؟
– لم يكن التجمع هو الذي ينظم الناس وإنما هم الذين كانوا يخرجون من تلقاء أنفسهم، نحن كل الذي فعلناه أننا انتبهنا لعدم وجود قيادة، يعني الشارع يفتقد للقيادة وتنظيم العمل والمجهودات التي يقوم بها الناس من تلقاء أنفسهم فقلنا نقوم بعمل جداول وتحديد الشعارات.
] توقعتم أن يتجاوب الناس معكم ؟
– نعم أنا شخصياً كنت على قناعة عميقة أن يتجاوب معنا الناس لأن النظام وصل مرحلة من التفكك والعجز وفقدان الرؤية وصلت مدى بعيداً.
] لم تنتابكم مخاوف من عدم انجراف الناس وراءكم وهذا تجمع مجهول؟
– القصة كانت أن الشعب خرج ولكن ليس هناك قيادة. هو يبحث عن قيادة أية قيادة، وعندما برزت قيادة المهنيين لم يسأل أحد من هم هؤلاء المهنيين وكان البرنامج الذي نعلن عنه يقبلونه.
] لماذا عملتم في الظل بعد أن كنتم في العلن.. أنت ذكرت أنكم عقدتم مؤتمراً صحفياً؟
– ليس الآن كذلك أنا خرجت وأوضحت لأن الرأي استقر أن نخرج للناس ونوضح ما هذا التجمع.
] الناس لم تكن تعلم من وراء التجمع إلا عقب سقوط النظام، فبرزت أنت كقائد فعلي له؟
– لا أنا خرجت وقتها وذكرت أننا مجموعة من المهنيين لدينا قناعتنا بقضايانا الأجور والبيئة والنقابات وأن الحكومة القائمة لن تستجيب لها وبالتالي عزمنا أن تذهب الحكومة وتأتي أخرى.
] لماذا تم اختيارك تحديداً للظهور والتحدث، هل لصفتك السياسية أم ماذا؟
– ليس كذلك.. أنا قلت لهم إنهم مجموعة من الشباب وأنا بلغت من العمر عتياً وتم الزج بي في المعتقلات كثيراً وليس لدي مانع أن أصبح ناطقاً رسمياً باسم التجمع ، وعلى هذا سرنا وعندما جاءت مذكرة الأحزاب الـ(22) للجيش يستلم فكان لا بد أن أخرج وأرد عليهم وأقول لهم إن هذه الأحزاب لا علاقة لها بالعمل الثوري وهم أنفسهم جزء من النظام وإذا كانوا يريدون عمل ثورة فليعملوا ولكن لن نتفق معهم ونضع أيدينا في أيديهم.
] من أين نبعت فكرة إعلان الحرية والتغيير؟
– منا نحن.. كان نتاج اتصالات كثيرة من الأحزاب لأن تجمع المهنيين وقتها كان مركز العمل، فاتصلوا بنا ونحن اقترحنا عليهم مسودة الحرية والتغيير وحدثت فيه إضافات وتصحيح وفي النهاية تم التوقيع، بيننا ونداء السودان ـ الإجماع ـ الوطني ـ القوى المدنية ـ تجمع الاتحادي المعارض، هذه كانت القوى الأساسية التي وقعت على الإعلان، وعقب أسبوعين أي منتصف يناير 2019 عقدنا أول مؤتمر صحفي في حزب الأمة، وفي ذلك الوقت تم تكوين تنسيقية بين هذه الاطراف وقاومنا نحن تجمع المهنيين أي اتجاه للهيكلة لأن الهيكلة تحدث المشاكل، قلنا يكون فقط هناك تنسيق، كنا مجموعة نأتي ونجلس مع بعض والعلاقة بيننا أفقية (مافي واحد رئيس واحد) وعممنا الأمر واشتغلنا بالحكاية دي.. حتى يوم 21 فبراير وأصدرنا قراراً بأن تقود القيادات موكباً.
] في فبراير تم اعتقالك؟
– نعم يوم 22 .
] من معك؟
-أنا والأصم وأحمد ربيع وطه عثمان وعدد من كوادر التجمع التي ظهرت لاحقاً.
] كيف كان يمضي العمل أثناء اعتقالكم؟
– العمل كان مستمراً لأن لدينا لجان ظل تعمل.
] لكن في هذه الفترة تحديداً حدث انحسار للمواكب؟
– لا لا
] توقعتم سقوط النظام؟
– أنا شخصياً كنت على قناعة بسقوطه، وكان هذا يتأكد لنا من خلال التحقيقات معنا.
] كيف؟
– في البداية كان التعامل معنا مختلفاً، كانوا يقولون لنا (أنتو عايزين تدمروا البلد ونحن حنعمل ليكم وكدا وكدا) عقب ذلك بدأت الروح المعنوية للمحققين تتدنى وبدأوا يقولون لنا( أنتو عايزين شنو..؟) بدأوا يتحدثون معنا في إمكانية مساعدة الحكومة في المشاكل المحيطة بها، فقلنا لهم إننا تحدثنا كثيراً إلى أن وصلنا إلى قناعة أنه طالما الحكومة موجودة لن يحدث إصلاح، أضف إلى ذلك أننا كنا نتابع التشققات داخل المؤتمر الوطني وكان الرئيس حتى يحمي نفسه لا يتوانى في فعل أي شيء إلى أن انحصر في دائرة ضيقة جداً ، وكانت دائرة ضيقة وهم أفراد اللجنة الأمنية التي قامت بعزله .
] ماهو دور قوش وهل التقيت به داخل المعتقل؟
– ليس لديه دور، أنا شخصياً لم ألتق به إطلاقاً، سمعت لاحقاً أنه التقى بوداعة والصادق المهدي ولكن أنا لا أعلم بدوره في الثورة، في إحدى المرات ونحن داخل المعتقل أخبرونا بأنه سوف يأتي لحل بعض المشاكل في المعتقل ويجتمع بالناس ولكنه لم يأت.
] تجمع المهنيين صنيعة قوش؟
– لا لا هذا حديث غير صحيح، الناس كانوا يعلمون والدافع الرئيس هو أن تذهب الثورة للإمام، ليس هناك أية صنيعة وإذا كان هناك مأخذ واحد على تجمع المهنيين فهو عقب سقوط عمر البشير.
] كيف؟
– عندما بدأ التجمع التفاوض مع المجلس العسكري والوقت وفي ذلك الوقت قوش كان خارج السلطة، الذين خرجوا عقب ذلك وقادوا العملية كانوا داخل المعتقل، وبصراحة أنا كنت أقول للشباب في ميدان الاعتصام إنهم هم من صنعوا الثورة وليس تجمع المهنيين، لأن الآن قادة التجمع الذين يريد الناس أن يعملوهم ( أصنام) كانو طوال الفترة التي كان فيها الناس في الشارع يتعرضون للقتل والبمبان والضرب كنا داخل المعتقل في كوبر( ما عندنا حاجة غير النوم والأكل والصلاة) ليس لدينا أي شيء آخر نعمله، بمعنى إننا لم نكن مساهمين فعلياً في قيادة عمل الشارع الذي كانت تقوم به لجان ثانية، الذين كانوا في المعتقل لم يكن لهم دور وأي شخص يحاول أن يقول إنه قاد العمل بمن فيهم أنا فهذا غير صحيح، لم يكن لدينا دور وعندما أعتقلنا توقف عملنا وكنا نستلقط الأخبار من المعتقلين الجدد كنا نلتف حولهم لمعرفة الحاصل.
] كيف كانت فكرة الاعتصام، الدعوة كانت لمليونية ومن ثم أصبحت اعتصاماً؟
– الإصرار الجماهيري عمل على شل القوة العنيفة والغاشمة ولذلك أضطرت اللجنة الأمنية لعزل البشير.. الفكرة الأولى كانت هي أن نذهب ونعتصم أمام القصر الجمهوري لكن قلنا إن القصر نفسه لا سلطة فيه وأن السلطة الحقيقية في القيادة العامة حتى أن الرئيس منزله هناك ، وكان القرار هو الاعتصام ومحاصرتها هذه كانت الفكرة وليست أن يذهب الناس للجيش أن يزيحوا البشير ويجلسوا محله، المطالب كانت واضحة حكومة مدنية و(تسقط بس) وتسلم لحكومة مدنية.
] الفكرة كانت اعتصام لحين سقوط النظام فلماذا استمر الاعتصام؟
– لأن اللجنة الأمنية عزلت البشير وجلست محله وهذا ليس الغرض الذي خرجت لأجله الثورة ولذلك استمر الناس في الاعتصام.
] ما هي مصادر تمويل الاعتصام، وما حقيقة الدعم الخارجي من دول وسفارات غربية؟
– هذا الحديث غير صحيح نحن في التجمع كان لدينا قرار بأنه لن نقبل أي تبرع من أجنبي أياً كانت علاقته معنا، التجمع لم يتلق فلساً من جهة أجنبية لكن تلقينا كمية كبيرة من الأموال من المهنيين السودانيين في الخارج وجاءتنا أموال طائلة وتم استخدامها لتمويل الاعتصام.
] هل عرضت عليكم دول وسفارات تمويلاً؟
– لا.. أنا التقيت بعدد من المنظمات بالإضافة للسفارة الأمريكية والبريطانية والألمانية والاتحاد الأفريقي ولكن الحديث معهم حول معرفة التجمع (لكن ما عرضوا علينا تبرعاً مع أنو كنا مفلسين فلس شديد )
المصدر : الانتباهة